سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جريمة الأحساء.. منعطف جديد لم أرَ مجتمعنا يعيش حالة (فريدة) من التلاحم والتعقُّل تجاه حالات الإجرام كما هي مع جريمة الأحساء. فلعلها نقطة تحول في الوعي تجعلنا ندرك حجم الأخطار المتربصة بنا فنعض بشدة على وحدتنا الوطنية
جاءت العملية الإرهابية الأخيرة في موطن الوئام والتسامح (محافظة الأحساء) وتحديدًا في قرية (الدالوة) لتشكِّل منعطفًا جديدًا في مسيرة الإرهاب المقيت الذي شهدته بلادنا (المملكة العربية السعودية) منذ عقدين من الزمان، واكتوت به بعض المناطق والمحافظات. العملية الإرهابية الأخيرة التي أدت إلى مقتل (5) أشخاص وإصابة (9) آخرين من أبناء محافظة الأحساء، أيًّا كانت الأسباب والدوافع وراءها فهي تبقى جريمة بحق الوطن والإنسانية، لا يمكن التهوين منها أو التقليل من آثارها المترتبة عليها؛ لأن محصِّلتها النهائية هي إزهاق الأرواح البريئة وترويع الآمنين والإخلال بالأمن ونشر الفوضى والخراب وتحقيق مصالح الأعداء، ومحاولة بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد الذين عُرِفوا بتماسكهم في وجه من يريد بهم سوءًا، وعُرِفوا بنبذهم لكل فكرٍ منحرف ولكل من يريد شق لُحمتهم الوطنية المتماسكة، وعُرِفوا بتساميهم على خلافاتهم التي تُنحَّى جانبًا متى تعلق الأمر بالأمن الوطني الذي لا يقبل المساومة تحت أي مبرر. جريمة الأحساء شكَّلت منعطفًا جديدًا مختلفًا عن سابقاتها، ذلك أنها أتت في ظل ظروف ومناخات قاسية تعصف ببلدان متعددة على الخارطة العربية، جاءت وقد ظنَّ الأعداء أن ثمار مخططاتهم الخبيثة قد أينعت وحان قطافها، جاءت وقد اعتقد المتربصون أن ساعة الحصاد قد دنت، جاءت وقد أمَّل المصطادون في عكر المياه أن الفرصة قد تهيَّأت لبلوغهم غاياتهم التي يرومونها، جاءت وقد زيَّنت بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لبعض من خُدِعوا ببهرجها وزخرف قولها بعضَ الممارسات اللامسؤولة. غير أن ما شاهدناه وشاهده العالم أجمع أمر يدعو للإعجاب ويثير الدهشة، ذلك أننا رأينا أبناء وطننا الغالي كافة –وخاصة العقلاء والرموز- وهم يتنافسون في دفع التهمة عن بعضهم البعض، ويؤكدون جادِّين على أن الوطن وأمنه فوق كل اعتبار، وأن محاولات المتربصِين الاصطياد واستغلال الحدث للوشاية بينهم ما هي إلا محاولات يائسة تتكسر على صخرة المحبة والولاء لهذا الوطن الغالي. رأينا وفود المعزِّين يتوافدون على الأحساء المتسامحة، شاهدنا رسائل التعزية والمواساة تتدفق على ذوي المصابين، سمعنا وقرأنا عبارات الشجب والتنديد والاستنكار لهذا العمل الإجرامي الذي لا يمكن تبريره بحق الكافر المسالم فضلاً عن المواطن المسلم. لقد سطَّر المواطنون مع هذه الجريمة ملحمة وفاء، ودلَّلُوا على قوة وتماسك البناء، وجعلوا المتربصين بوطننا يصلون إلى درجة اليأس والإحباط؛ فما ظنوه ساعة الحصاد التي خططُوا لها عبر عقود تبيَّن لهم أنها ذهبت هباء منثورًا وتكسرت على وحدة الوطن وأُلفة وترابط المواطنين الأوفياء، ولمَّا أفاقوا وجدوا أنفسهم في أول الطريق الشائك الطويل. وكم سرتني وغيري ردود أفعال بعض المواطنين وخاصة من أبناء الأحساء وهم يَردُّون على السائلِين المتلهفِين للفتنة والفرقة بقولهم إن هذه الجريمة لا تُنسَب لطائفة أو مذهب وإنما تُنسَب للإرهاب وحده، وذلك وربي هو الرد المُلجم في الوقت العصي. حقًّا، لقد دلل المواطنون مع هذه الجريمة النكراء على مدى وعيهم وتماسكهم ونبذهم كل من يحاول الإيقاع بينهم. وحتى لا يبقى المجال مفتوحًا للمغرضين لنفث سمومهم فإن المؤمل من الجهات ذات الاختصاص –وهي الأقدر- أن تبدأ في سن قوانين واضحة تُلزم الجميع بها دون شفقة أو رحمة، وأن تسد منافذ الفتنة التي تَزرع -عبر وسائل متنوعة- العداءَ بين أبناء الوطن الواحد، وأن تُسَرِّع خطوات الإصلاح الذي بدأته منذ فترة؛ حتى لا يجد المغرضون آذانًا تُصغي لهم. وبعد.. فلم أرَ مجتمعنا يعيش حالة (فريدة) من التلاحم والتعقُّل تجاه حالات الإجرام كما هي مع جريمة الأحساء التي شكَّلت منعطفًا جديدًا في التعاطي مع الإرهاب. فلعلها نقطة تحول في الوعي تجعلنا ندرك حجم الأخطار المتربصة بنا فنعض بشدة على وحدتنا الوطنية. [email protected] [email protected]