سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الإسلام بين الغلو والتفلّت من أحكامه المنحرفون اليوم كُثر، يتقاطعون مع أفكار لغلاة أو متشددين ممّن ينسبون أنفسهم للعلم الشرعي، ويصوّرون الدين حسب أفهامهم السقيمة، فيظن الجاهلون أن ما يقوله هؤلاء هو الدين فيعادونه
لا تدري بماذا يهذي بعض المثقفين، وحملة الدكتوراة منهم، حينما يطلقون العبارات بقصد، أو بجهل، أو غفلة، إلاّ أنهم يطلقون من العبارات ما لا يمكن أن تكون قد صدرت إلاّ من إنسان غُيّب عقله، سواء أكان هذا التغييب بإرادته، حينما يتعاطى ما يزيل عقله، أو يكون قد تعرّض لما نسمّيه في عصرنا عبر الإلحاح بثقافة تمحو كل ما ترسّخ في عقله من قبل. قبل أيام قرأتُ تغريدة لأحد الإخوة من حملة الدكتوراة، لعلّه من أشقائنا في الكويت تقول: "كل الموبقات لها سند شرعي في الشرع الحنيف، من جهاد النكاح، إلى الغنائم، واللصوصية، والسبي، والإرهاب، وقطع الرؤوس، ورجم النساء حتى الموت، وفرض الصلاة". وحرت في مراد الرجل من هذه العبارة، أيقصد أن في الشرع الحنيف أحكامًا متنوّعة تحرّم ما سمّي جهاد النكاح؟ وهو الذي لا أصل له في شرع، ولا عقل، وما شرع من أن يأخذ المجاهد في سبيل الله في حرب مشروعة ما يغنمه من العدو، وذلك ما جاء به النص كما في قول الله تعالى: (واعلموا أنّما غنمتم من شيء فإن لله خُمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) والآيات بعدها، ولكنه لمّا عطف على الغنائم اللصوصية استشعرتُ أن الرجل يرى فيما شرع الله لرسوله من إباحة الغنائم له لصوصية، كما زعم، والعياذ بالله. ثم ذهبت إلى ما عطف على اللصوصية، فوجدته السبي، والمعلوم بداهة أن الإسلام لم يشرع الرّق، ولكنه وجد الناس إذا تحاربوا أخذوا الأسرى أرقاء رجالاً ونساءً، فعاملهم بالمثل إذا حاربهم، إذا ضربوا الرّق على أسراه، ضرب الرق على أسراهم، ولا يسأل الإسلام عن مَن توسّع في الرّق بعد ذلك، وضربه على الأحرار وإن لم يكونوا أسرى. ثم رأيته عطف الإرهاب، وهو فعل قبيح حرّمه الإسلام، وجعل على فاعله عقوبة مشددة في قوله تعالى: (إنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يُقتّلوا أو يُصلّبوا أو تُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم). ثم رأيته عطف قطع الرؤوس، وما أباح الإسلام مثله بالقتلى لا في حرب، ولا في سلم، ومن استحق أن يُقتل قصاصًا قتل ولم يُمثّل بجثته. أمّا رجم النساء، فالزانية تُرجم، والرجم مجمَع عليه عند فقهاء الإسلام، وقد ورد عن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "رجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجمنا بعده، ولا يخص حكم الرجم النساء دون الرجال، وإنّما هو حد الزاني المحصن، رجلاً كان أم امرأة. وأمّا فرض الصلاة فحتمًا لا خلاف أنه أحد أركان الإسلام، وليس من الموبقات كما تصوّر هذا الذاهل عن دينه، المتحدّث عمّا لا يعلم، والانحراف عن الدين حتمًا لا يعني فسادًا في الدين، وإنّما يعني فسادًا في عقول المنحرفين. والمنحرفون اليوم كُثر، يتقاطعون مع أفكار لغلاة، أو متشددين ممّن ينسبون أنفسهم للعلم الشرعي، وهو منهم براء، ويصوّرون الدين بحسب أفهامهم السقيمة، فيظن الجاهلون أن ما يقوله هؤلاء هو الدين، فيعادون الدين، فإذا هم وإيّاهم يعملون على هدم الدين، وأنّى لهم ذلك. فهذا الدين إنّما هو الشِّرعة الباقية من الله للبشر حتى تقوم الساعة، وهذا البقاء حكم به رب الخلائق، ولا يستطيع البشر إلغاء ما حكم به. والدين لا يعارضه أحد إلاّ خسر، فسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الدين يسر، ولن يشادّ الدين أحد إلاّ غلبه، فسددوا وتقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". وبين التشدد والغلو والتحلل من أحكام الدين، تبقى الأمة متمسكة بدينها، تلتزم أحكامه ما استطاعت، وتعبد ربها ولا يؤثر فيها من الطرفين أحد، فالإسلام بوسطيته ويسره ورفقه بالخلق باقٍ حتى تقوم الساعة، وهؤلاء زائلون لا محالة، فلا نخشى على ديننا أبدًا فهو منصور بوعد الله لسيد خلقه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. [email protected]