يسيطر على كثير منا نوعان من المشاعر والأحاسيس ويحتلان مساحة عظيمة رغم أنهما لا نفع منهما ولا جدوى من الوقوع تحت تأثيرهما سوى حصد الكثير من الاضطراب والعجز. هذان الشعوران هما: القلق ممّا قد يحدث، والشعور بالذنب تجاه ما حدث فعلاً. فالقلق والشعور بالذنب أسوأ عدوّين يواجههما المرء في نفسه وشعوره، فهما يتحدّان ويتصلان ويرتبطان معًا ويهاجمانه بلا رحمة وبلا خطة معروفة الملامح لديه، فكم من الساعات والأيام والليالي يقضيها معظمنا في اجترار أحداث وقعت، ولوم النفس على تصرّفات ارتُكبت، فيبتلع اجترار الماضي مساحات الحاضر ويملأ دروبها بالمعوّقات. وكم من الساعات والأيام والليالي يضيّعها -معظمنا- والتفكير منشغل بأشياء يُخشى وقوعها في المستقبل، وليس بمقدورنا التأكّد من حدوثها فعلاً، ولا السيطرة على عدم حدوثها، وفي الغالب لا تحدث، لكنها تنجح في إضاعة أوقاتنا، وتسميم حياتنا وعرقلتها، وإغراقنا في حالة من الاضطراب والشعور بالعجز في حاضرنا، إن الشعور بالذنب والندم والحسرة على ما فات، والشعور بالقلق مما هو مقبل يسلبنا الاستمتاع بالوقت الوحيد الذي بين أيدينا وهو يومنا وحاضرنا. إننا نجد أمثلة كثيرة حولنا لأناس يتحسّرون على أمور فعلوها ولم يكن ينبغي أن يفعلوها وآخرين وجلين متوترين من أجل أمور قد تقع أو لا تقع وهنا تتولّد الكثير من الانفعالات والمشاعر المضطربة والاكتئاب جرّاء مشاعر أسى على أمر قد انقضى.. أو آخر قد لا يقع لكننا نقع أسرى لها ونعيش كربها ومعاناتها. وكل ذلك يزيد من مساحات الضعف والاضطراب التي ينبغي استئصالها وتطهير النفس منها للأبد وتعقيمها، إن اليوم الذي بحوزتنا هو اليوم الحالي الذي نعيشه فلا ينبغي أن يضيع في حماقات اجترار الذنب والغليان بالقلق، إننا مطالبون بالتعلّم من الخطأ، فذلك أمر صحّي وعامل من عوامل النمو والترقّي والتحسّن فلا بأس من الاستفادة من تجربة الأمس دون استنزاف طاقاتنا في معايشتها والاستياء منها، لأن ذلك لا يجدي نفعًا، ولا يحلّ شيئًا، كذلك القلق.. لا يزيد في حياتنا إلاّ عثرات واضطرابات وعجزًا وخوفًا وترددًا لا داع له. من الجيد أن يكون المرء حذرًا، مخططًا، لكن أن يملأ نفسه بالقلق والتشاؤم والمخاوف فذلك ضرب من الحمق، لأن القلق لن يغير من الأمور شيئًا، فعادة نحن نقلق من الأمور الخارجة عن سيطرتنا، وغالبًا ما تحدث الأمور السيئة -إن حدثت- بصورة أخف مما قد تخيلنا، فلماذا نعيش الألم مرتين: مرة قبل وقوعه ومرة بعد وقوعه؟، إن الخلاص من ذلك يتطلّب إيمانًا قويًا وثقة بالله، وأخذًا بالأسباب وتوكلاً، واعترافًا بأن لا شيء سيتغيّر بقلقنا وتوترنا ولاشيء سيعود بندمنا وجلد ذواتنا بالشعور بالذنب. [email protected]