عرفته رجلاً بقلب طفل.. نقيًا كالماء الزلال.. طاهرًا كالسحاب.. لا ينام وفي قلبه حقد على أحد، ولا يحتمل أن يبيت ليلته وهناك من يخاصمه أو يحمل منه كدرًا، إنه الصديق الراحل العميد إبراهيم عبدالمنان، الذي رحل عن دنيانا إلى عالم الحق، يحمل معه ما قدم من ذكرى طيبة وذكر عطر.. تاركًا لنا مرارة الفراق، التي نتقرب باحتماله إلى الله تعالى؛ محتسبين مؤمنين راضين بقضائه وقدره، التقيته أول مرة خارج البلاد في رحلة جماعية، فلفت نظري فيه هذا البريق الإنساني الدافئ الذي لا يُخطئه قلب، فهو يحتوي الجميع ويلاطفهم، يسأل عنهم ويرعاهم، وعلى الرغم من أنه كان كبير الرحلة، إلا أنه كان يذوب في أعضائها كأصغر فرد فيها.. لفت انتباهي عطر أدبه، وأخلاقه التي تُعبّق كل مكان هو فيه، وتنضح بها كلماته وأسلوبه وأحاديثه.. واستوقفني شموخ تواضعه، وتلقائيته بلا تكلف. أتذكر يوم كنا معًا في رحلة بالقاهرة، وتلقى اتصالاً من زوجته تبشّره بتخرج ابنه محمد من الجامعة، وإذا به تتهلل أساريره كطفل بريء، فأطلق زغرودة عالية أشاعت البهجة بين الجميع، فتوافدوا يهنئونه رغم أنهم لا يعرفونه. إنه الصديق الراحل إبراهيم عبدالمنان، الذي تقاعد عميدًا في الجيش، ثم مارس مهنة الطوافة، حتى أصبح شيخ مشايخ جاوة، فكان يتحدث اللغة الإندونيسية بطلاقة، فكان بالنسبة لنا هو المترجم والطباخ والأستاذ والإمام. هاتفني قبل وفاته يطلب مني أن أسامحه، ومازالت نبرات صوته تسكن أذني، وكلماته يحفظها الوجدان، فوجدته يقول رحمه الله: «صباح السعادة والأمل.. تذكرت أحب الناس فتذكرتك، وتذكرت أصحاب الود فوجدتك بينهم، فدعوت الله أن يجمعني بكم تحت مظلة عرشه». رحمك الله أيها الصديق عبدالمنان، يا من أحببتك في الله، وتآخينا في الله، وحصدنا ثمار هذا الحب في جدة والقاهرة وجاكرتا.. رحمك الله رحمة واسعة، وأحسن عزاءنا فيك، ومنَّ علينا وكل محبيك بالصبر والسلوان.