برغم مرور ثلاث سنوات على تجربة الانتخابات الأولى في الأندية الأدبية، إلا أن وتيرة الانتقاد لهذه التجربة ما زالت مستمرة، ملقية بظلالها على واقع الأندية الأدبية، بما دفع وزارة الثقافة والإعلام إلى فتح باب الاقتراحات والتعديلات على لائحة الأندية الأدبية الجديدة بحثًا عن حالة استقرار يساهم فيها الجميع بوضع قانون ودستور يتمتع بحد أعلى من التوافق، ويقلل من نسبة الاعتراض الكبيرة التي شهدتها التجربة الأولى.. وفي الوقت، الذي تمضي فيه اللائحة الجديدة بتعديل موادها مثار الجدل وبخاصة المادة المتعلقة بماهية العضو، الذي يحق له الانضمام إلى الجمعية العمومية والمشاركة في التصويت والانتخاب، في هذا الوقت أشارت بعض المصادر إلى بروز اتجاه يدعو إلى إعادة التعيين بواقع 50% من مقاعد مجالس الإدارة على أن يتم النصف الآخر وفق آلية الانتخاب، أسوة بما هو معمول به في الغرف التجارية والمجالس البلدية وغيرهما من مؤسسات المجتمع المدني التي تنتهج هذا النهج.. هذه الخطوة أثارت ردود فعل متباينة، فالغالبية ترى فيها خطوة ستعيد العملية الديمقراطية في ألندية الأدبية إلى مربع قد غادرته، ولن يكون في العودة إلى التعيين فائدة ترجى، متطلعين إلى المضي في تجربة الانتخابات ومعالجة الأخطاء التي تظهر في كل دورة حتى تبلغ التجربة تمام صورتها المرجوة، فيما يرى آخرون أن مظاهر التجربة السابقة كافية للتدليل على أن الساحة الثقافية غير مؤهلة لتحمل المسؤولية.. جملة هذه الآراء المتباينة في سياق هذا التحقيق.. أصل ثابت رئيس نادي أبها الأدبي السابق أنور خليل أنور خليل استهل الحديث بقوله: إن الانتخابات في الأندية الأدبية أصبحت أصلًا ثابتًا في شأنها الإداري. وبما أن لائحة الأندية قد أثبتت هذا المبدأ فلا أعتقد أنه بالإمكان التراجع عنها حتى وإن تضاربت التصريحات ما بين الانتخاب أو التعيين لأن أي إخلال أو تراجع عن أي بند أو مادة من اللائحة يعني الإخلال بباقي بنود اللائحة. وهنا لابد لي من دحض بعض التصريحات التي نسمعها بين الفينة والأخرى من أن لائحة الأندية جاءت وليدة الانتخابات الماضية.. وللتاريخ أقول إن تعيين المجالس السابقة التي جاءت بعد مجالس الرواد كان من أول مهامها التي كلفت بها إبان فترة الأستاذ إياد مدني ووكيل الوزارة الدكتور عبدالعزيز السبيل هو التحضير للجمعيات العمومية استعدادا لتسليم الأندية الأدبية إلى مجالس منتخبة. وهذا ما تم على مدى فترة الأربع سنوات التي قضتها المجالس المعينة وقد تمت عدة اجتماعات غير قليلة لتحضير اللائحة.. وعند تولي الدكتور عبدالعزيز خوجة مهام الوزارة وجه في اجتماع مع رؤساء الأندية الأدبية في القصيم بتشكيل لجنه برئاسة الدكتور أحمد الطامي لإعادة دراسة بنود اللائحة وتقديم مرئياتها واجتمعت اللجنة لأكثر من مرة كان آخرها في مدينة جدة في اليوم الذي شهدت فيه جدة سيولها العارمة. ويختم خليل بقوله: هناك الكثير مما كنت أود الحديث عنة خلال اجتماعات اللائحة وأيضا اجتماعات اللجنة التي كلفت بإعادة دراستها ومن ثم فترة الانتخابات السابقة غير أن المقام هنا لا يسمح بالاستفاضة. لب المشكلة ويرى الشاعر عبدالرحمن الموكلي أن المشكلة تكمن في وعي الأدباء أنفسهم الذين في يومٍ ما صاغوا اللائحة.. ماضيًا إلى القول: هذه اللائحة هي لب المشكلة، كان المفترض على من صاغ اللائحة معرفة منظومة المؤسسات المدنية، وأن الحق الأدبي هو حق خاص بالأديب، وهو نتاج جهد إبداعي ومعرفي وليس منحة من أحد، وأرجو أن تكون اللائحة القادمة للأندية الأدبية وخاصة فيما يتعلق بالانتخابات قادرة على صياغة تقعيد ثقافي وإداري واضح لعمل الأندية الأدبية وأن لا تعود إلى الخلف بإلغاء الانتخابات أو التحوير فيها مهما كانت الأخطاء التي ارتكبت في الفترة الماضية، وأن تحدد حقوق الأدباء وصلاحيات مجلس الإدارة، لتسير العملية الانتخابية في هذه الأندية بالشكل المطلوب من قبل الجميع. وضوح مطلوب ويعقد الروائي أحمد الدويحي مقارنة بين حالتي التعيين والانتخابات قائلًا: خاضت وزارة الثقافة والإعلام تجربة التعيين لمجالس الأندية الأدبية والتي اكتشفت بعد مضي فترة ليست بالطويلة فشل هذا المبدأ من خلال الاستقالات المتوالية في أكثر من نادٍ أدبي.. وفشلت أيضًا في إجراء العمليات التجميلية لخطوتها تلك. وعلى أي حال يجب ألا نلغي أحدًا أيًا كان الاتجاه، ويجب أن يكون أفق الحوار لدينا متسعًا ليشمل كل الشرائح والنخب المتعددة والمتنوعة.. فالمعين الثقافي محصور في قالب واحد يُظن أنه هو الكل.. فالثقافة تنوع يخلق الثراء المنشود. وفي هذا الإطار أؤكد على أن تكون معاييرنا الثقافية لتشكيل هذه اللائحة معايير واضحة تمامًا.. نعرف جميعًا أن أصحاب المهن الحرة توصلوا إلى نسيج مدني متين مثل المحامين والمهندسين وبقية المهن الأخرى الحرة.. ما عدا مهنة الأدب والأدباء. تجربة غير مقنعة ويجزم الشاعر إبراهيم الوافي بأن تجربة انتخابات الأندية الأدبية، لم تستطع تحقيق نظرية الانتخاب الحقيقية، وعليه فإنها أي التجربة الانتخابية لم تقنع الآخرين من بقية أعضاء الجمعية العمومية بها، وخاصة في البرامج والخطط، التي في ضوئها ينتخبون الأعضاء ويحاسبونهم عليها، وبالتالي لا تعد الشللية هنا عائقا، وعليه نحن بحاجة لفريق عمل متكامل لا يتعارض ولا يتصادم، بل يأخذ زمنه وفق خطة مقنعة وواضحة لا يحيد عنها ولا يتصادم معها. لائحة مخرومة ويعود رئيس نادي جازان الأدبي السابق أحمد الحربي بذاكرته إلى مسيرة لائحة الأندية الأدبية بقوله: لقد مرت بمراحل عديدة وبعد الاتفاق على كثير من مواد هذه اللائحة التي برزت كمشروع حقيقي لأعمال الأندية الأدبية، بما في ذلك لائحة الانتخابات التي مرت هي الأخرى بمخاض عسير الولادة، حيث صدرت اللائحة المالية والإدارية وتأجلت لائحة الانتخابات وهو الأمر الذي رفضه عدد غير قليل من رؤساء الأندية الأدبية آنذاك، مطالبين وكالة الوزارة بأن تصدر اللائحة بكامل صيغتها وألا تكون مبتورة، واستمرت النقاشات مع الوكالة للشؤون الثقافية حتى صدرت اللائحة الأساسية للأندية الأدبية بصورتها الكاملة المالية والإدارية والانتخابات، ولكنها لم تكن مرضية للجميع، فالذين يُعولون عليها أن تكون نظامًا أساسيًا يركنون إليه في حل المشكلات الثقافية إداريًا وماليًا، خانتهم اللائحة، ولم تستطع إسعافهم عند ظهور أول المشكلات الانتخابية. ويمضي الحربي في حديثه مضيفًا: اللائحة الآن تم تحديثها وتجديد موادها والتعديل فيها بما يخدم الحركة الأدبية والثقافية في المملكة بحسب رأي اللجنة المكلفة، ولا أدري هل سيرضى عنها الأدباء والمثقفون بعد عرضها عليهم من خلال الموقع المقترح الذي سيُعدّ لهذا الغرض أم لا؟ فبعد التعديلات الجوهرية أتمنى العودة لقراءة مواد اللائحة، بالتأكيد سنجد أين كان الخلل الذي ظهر بعضه أثناء التطبيق، وسنعرف هل تم معالجة جميع الثغرات التي أفرزتها أعمال المجالس المنتخبة وما صاحبها من لغط؟ آخذين في الاعتبار أن الوزارة لديها النية عند تعديل اللائحة الأدبية التي نحن بصدد الحديث عنها الآن في تقسيم أعضاء مجلس الإدارة إلى قسمين الأول بالتعيين والثاني بالانتخاب، مستندين في ذلك إلى فشل الانتخابات في المرحلة الأولى، وكلنا يعرف أسباب الفشل الظاهرة والباطنة، ولا نريد العودة إليها أو الخوض فيها، لكن اللائحة الجديدة المعدلة ستضع المثقفين في حرج وبلبلة لأربع سنوات مقبلة، إذا استمر هذا العوار الواضح في موادها، دون الرجوع إليها وتصحيح مسارها. ويخلص الحربي إلى القول: الانتخابات أحد أهم بنود اللائحة المخرومة، على الرغم من ذلك إلا أن جمهور الأدباء والمثقفين لا يمكن أن يتنازلوا عن الانتخابات؛ فهي خطوة متقدمة، ولا يمكن التراجع عنها بأي حال من الأحوال؛ فالتنازل أو الرجوع عنها انتكاسة لمشروع ديمقراطي مهم جدًا في هذه المرحلة، وكل ما نريده هو تكريس ثقافة الانتخابات النزيهة الحرة، وأن يبتعد الناخبون عن منح الأصوات المجانية لأصحابهم وأصدقائهم، فالانتخاب يجب أن يكون مبنيًا على أسس منهجية ومشاريع انتخابية مقدمة من المرشحين أنفسهم، وجعل التنافس بين هذه المشروعات المقدمة هو الفيصل في منح الأصوات لمن يستحق. الفكرة الخلاقة وينحاز الكاتب حسن مشهور إلى مبدأ الديمقراطية في الأندية وتحكيم مبدأ الانتخاب، في سياق قوله: من المعيب جدًا أن نجد دول العالم تمارس سياسة الانتخاب في العمل المؤسساتي، انطلاقًا من القاع وانتهاء بالقمة، في ذات الوقت الذي نبدأ نحن فيه مع النخب الفكرية في أنديتنا الأدبية، ومن ثم عندما نجابه بالفشل في أول تجربة فإننا نفكر بالتراجع، فلتتحلَّ وزارة ثقافتنا بالصبر وبالمحاولة مرة تلو الأخرى؛ لتحقيق التغيير. فقد شاع خبر عن نية وزارة الثقافة والإعلام اعتماد آلية جديدة في تشكيل مجالس إدارة الأندية الأدبية في المرحلة المقبلة، التي تقوم على فكرة تقسيم مجلس الإدارة إلى نصفين، الأول وهو النصف المنتخب ويشكل قرابة 50% من أعضاء المجلس، والآخر هو النصف المعين -مباشرة- من قبل الجهة المختصة في الوزارة ويشكل ال 50% الأخرى، خاصة وأن هناك توجهًا من الوزارة لإعادة ممارسة «التعيين»، وبمعنى آخر أن الوزارة تسعى لاستعادة حق سابق مكتسب قد مُنح لمن «لا يستحق، ولا يثمّن أهمية أن يمنح الحرية المطلقة في تشكيل جملة أعضائه». وبالرغم من نفي الوزير «خوجة» لذلك - في حديثه مؤخرًا - وقصره دور الوزارة على الإشراف فقط على انتخابات الأندية الأدبية، إلا أنه لو صدق ما يتردد حاليًا عن توجُّه وزارته لإعادة تبني استراتيجية التعيين فهو - في نظري - سيعيدنا للمربع الأول في قضية الإصلاح والتطوير. نعم أقرُّ بأن عدم قدرة المثقفين على التكيف وعلى النجاح في تجربة الانتخابات قد فوَّت عليهم فرصة أن يكونوا عرّابين لتغيير المسار في العمل المؤسساتي لينتقل من مرحلة التعيين لمرحلة الانتخاب، ولتعمم التجربة لاحقًا لتشمل أغلب مؤسساتنا الرسمية. ويكون ذلك تدشينًا لمرحلة جديدة من الممارسة العملية في طريق الإصلاح التي دشَّنها خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- مع بداية تسنُّمه الحكم في هذا البلد المبارك. ينبغي على الوزارة أن تدرك أن فشل من يمارس التطبيق لا يعني بالضرورة فشل الممارسة ذاتها، كما ينبغي عليها أن تدرك أن التغيير لا يحل بين ليلة وأخرى في الذهنية الفاعلة للفرد، وأن ليس كل من يطلق على نفسه مثقفًا هو بالضرورة يمثل بشخصيته الآنية تجسيدًا لكل الأبعاد المشكّلة لفكرة الثقافة. وأن تعيد النظر في فكرة التعيين وتعمل من خلال تبني استراتيجية قوامها: «التوعية والتأهيل والتدريب»؛ لزرع أهمية الانتخاب كفكرة خلّاقة وممارسة منتجة في عقلية كل من يتصدى للمناصب الإدارية في الأندية الأدبية ويسمي نفسه في ذات الوقت «مثقفًا».