تحققت بعد أعوام طويلة مطالب المثقفين بإجراء انتخابات لأنديتهم بحيث يتولون إدارة مؤسساتهم الثقافية لتصبح مستقلة بعيدة عن تعيين الوزارة، لكن هذه الخطوة المنتظرة قسمت المثقفين بين من اعتبر تحقيقها إنجازا ومن اعترض على آليتها التي واجهت العديد من المشكلات في كل مرحلة من مراحل التطبيق. وإذا كانت الانتخابات في منتصف الطريق الآن بعد أن أجريت في سبعة أندية وتبقت تلك التي في الرياض، جازان، أبها، جدة، الطائف، القصيم، الباحة، الشرقية، إلا أن تراجع الحماس للعملية الانتخابية صار السمة الأبرز للمثقفين في مختلف المناطق. الروائي أحمد الدويحي كان ممن نادى بالانتخابات قديما، ورغم التوقعات التي تشير إلى أنه من الأسماء المؤهلة ليكون عضو مجلس إدارة، غير أنه أكد تراجع حماسه للانتخاب ورأى أن الانتخاب شكلي، وذلك ما جعل كثيرا من الأدباء البارزين يبتعدون بأنفسهم عن هذه المعمعة «أتشرف بأنني ممن طالبت بالانتخابات من سنوات طويلة فيها، وكنت فرحا بها لكن أحبطتني طريقة الوزارة وتصريحاتها، ولست مؤمنا بنزاهة الانتخابات ما دامت إلكترونية، والوزارة استعدت المثقفين بسبب تدخلها الواضح جدا، فالنادي كيان مستقل واعتباري، وليس للوزارة دخل لا في ميزانيته أو في نشاطاته، فالثقافة يصنعها المثقف وليس الموظف الذي يمثل برنامجا للدولة أو المؤسسة التي يمثلها إنما هو إنسان مستقل وحر يصنع ثقافة، لأن الأطراف كلها تتساوى عنده، وله نظرة مستقبلية، ولذلك نحن في التجربة الأولى وكان يجب أن تكون نزيهة كوسط أدبي مثقف نكون نموذجا للشرائح الأخرى، لكن الحاصل تدليس واستخدام سلطات». ورقي أو إلكتروني يبدو أن مشكلة ورقي أو إلكتروني هي الأبرز في دورة الانتخابات الأولى، الأزمة التي تأججت بعد النتائج التي أعلنت عقب انتخابات نادي الأحساء والتي زاد عدد الأصوات فيها على عدد المصوتين. وذلك ما بررته الوزارة عدة مرات بأنه خلل بسيط إثر انقطاع التيار الكهربائي، وأنه لم يؤثر في النتيجة، وتوالى إصرار وكالة الوزارة للشؤون الثقافية على الاعتماد الإلكتروني وواصلت بث التطمينات عن دقة الانتخاب الإلكتروني ما دفع عددا من المثقفين إلى الإيمان بأن الانتخابات لم تكن نزيهة تماما، وأن الوزارة لها تدخل في الأسماء التي تحظى بعضوية مجلس الإدارة، غير أن الأمر متروك كما أعلن مرارا وتكرارا للجمعية العمومية، ففي حال قررت غالبيتها الانتخاب الورقي تجرى الانتخابات ورقيا. والمثير في الأمر أن القاعدة تحققت وطالبت أغلبية أحد الأندية بالانتخاب الورقي ومع ذلك اعتمدت آلية الانتخاب الإلكتروني بتوجيه الوكالة، ومهما كانت التطمينات عن دقة أجهزة التصويت يبقى صوت الرفض لها هو الأعلى، فالناقدة الدكتورة لمياء باعشن قالت «هناك مساحة كبيرة للشك، لماذا يرفضون مطالبات الورقي؟ يفترض من المثقفين ألا ينتخبوا ويقاطعوا الموقف المعلن للوزارة، والأجهزة أثبتت فشلها من خلال بروفات الانتخاب التي أجريت في الرياض، العالم كله على مستوى رؤساء ينتخب بورقي، حتى لو كانت الأجهزة دقيقة نريد الورقي». حقل تجارب! وأضافت باعشن أن الوزارة تدخلت من باب الثغرات في اللائحة وأنها تتعلم الحلاقة في رؤوس الأندية وأن تمشي وتشرع وتصدر قوانين جديدة وطريقة جديدة في كل ناد، وأن هذا أكبر خطأ ارتكبته الوكالة في عهد الانتخاب. وتمنت لو يعود التعيين لأنه أرقى مما نحن عليه في الوضع الحالي «الانتخابات الأولية كانت سيئة، وكل ناد ندخله نتعلم فيه درسين، ونضيف معايير جديدة، إذن مستوى الجودة الذي ستصل إليه آخر الأندية انتخابا يختلف تماما عن الأندية الأولى هو الذي سيأكل الكعكة كاملة متمتعا بكل الميزات أو المعايير الجديدة التي يفترض أن الوزارة تعلمتها من كل خطأ ودرس في كل تجربة انتخاب». وتضيف «لا يوجد أي تعادل الآن، بين من خاض التجربة في الأول واختار مجلسه على وضع معين ومن خاض التجربة لاحقا، الوزارة شكلت وضعا لكل ناد وكانت تمشي كل مرة بطريقة وقانون جديد، وكان المفروض أنه بعد وضع اللائحة نظريا، أن تنظم انتخابات تجريبية ومنها يتم تدارك الأخطاء وتعدل اللائحة ثم تنظم الانتخابات بلائحة موحدة، الوزارة دخلت الانتخابات من مبدأ الثغرات، والأندية الأولى ذهبت ككبش فداء». لعبة التخويف ككل عملية انتخابية لابد فيها من تكتيكات لإجراء لعبة مصيرية تحدد طريقة عمل مؤسس ما، غير أن اللعبة التي سادت في الوسط الثقافي أثناء عمليته الانتخابية هي لعبة «التخويف» لتكون هذه الاستراتيجية التي يبنى عليها التوجه لإقناع الناخبين بنتيجة معينة. الناقد محمد الحرز وصف الوضع الثقافي الحالي ب «الملتبس» ووجد أن المجتمع أصلا مهيأ بطبيعته لهذه التخوفات «اللعبة الانتخابية لعبة أكبر من ثقافتنا «اللعبة الانتخابية أو الخيار الانتخابي أتى كمفاجأة ونقبلها بعثراتها الأولى على مضض». ويرى الحرز «أن التخوفات تختلف في مناطق المملكة، ففي مناطق تكون هناك تخوفات من مذاهب فكرية وأخرى مذهبية وثالثة غير ذلك، لكنه بخلاف مثقفين يستبعد أن تكون الوكالة أو مثقفون أو أصحاب لوائح قد استغلوا هذه النقطة بشكل كبير وبتكتيك ليحصلوا على أصوات معينة، فالخوف من الليبرالي مثلا سيستغله الديني والعكس». دعوات ومجالس «خاصة» ويستغرب مصدر في وزارة الثقافة والإعلام «رفض ذكر اسمه» الرفض الشديد لتدخل الوزارة إن فعلت «لو رفعت الوزارة يدها بشكل كامل عن الأندية ستتحول إلى مجالس خاصة»، وأضاف «أصبح الشغل الشاغل للإدارات الحالية محاولة إفشال المجالس القادمة حتى تبقى هي في دور البطولة في المشهد الثقافي، ولذلك لا يسعون لاستقطاب أسماء كبيرة ولامعة للأندية لتسجيلها في الجمعيات العمومية ويكتفون بالتكرار في فعالياتهم للجمهور نفسه الذي يحضر كل مرة، وأهملوا أسماء كبيرة ولامعة ولها تاريخها وتحتاج بعض الرعاية باتصالات خاصة ودعوات خاصة». وذلك ما أكدته الدكتورة باعشن فعلا عن ميل المثقفين إلى الحصول على الدعوات الخاصة والعضويات الشرفية فقط. الرياض.. 175 فقط! ويتفق الروائي خالد اليوسف الذي انسحب من ترشيح نفسه لمجلس نادي الرياض مع باعشن حول العزوف الثقافي، رغم أنه يترك تبريرا بسيطا بأن منطقة الرياض تحتوي العديد من المنابر الثقافية وليس النادي فقط، رغم أن النادي تبقى له كينونته الخاصة «الجمعية العمومية في الرياض عددها قليل جدا، مدينة بحجم الرياض فقط 175 عضوا، لكن يبدو أنه عندما يتعلق الأمر بالثقافة يبخلون حتى بالمبلغ البسيط المخصص لرسوم التسجيل» لكنه رجح فكرة عدم الثق ة بالانتخابات الإلكترونية وكونها سببا مهما لعزوف المثقفين. ويعتبر اليوسف أن الانتخابات الإلكترونية شكلية فقط، وأن تصريحات الوزارة المتضاربة أخيرا انعكست بسلبية كبيرة على المثقفين. تعديلات مع وقف التنفيذ رئيس نادي أبها الأدبي أنور الخليل رأى أن تعدد مشارب اللائحة خلق فيها بعض الثغرات رغم كل من اجتهد في تكوينها بعهد الوكيل السبيل، وعدلها بعهد الوكيل الجاسر، وأخيرا طبقها بعهد الوكيل الحجيلان. ويقول الخليل «غير أن تجاهل الوكالة لعدد من التعديلات التي تقدمت بها لجنة خاصة كونها الوزير للتعديل على اللائحة وكونها من عدد من رؤساء الأندية كان الأمر المحبط» ويضيف «اللائحة كغيرها من اللوائح قد لا ترضي في بداياتها الطموحات، غير أنني واثق بأن من أعدوها اجتهدوا لإظهارها بأقرب المعايير الأدبية الممكنة التي يمكن تطبيقها في الوقت الراهن، ثم أتت بعد ذلك اللجنة التي شكلها الوزير من بعض رؤساء الأندية لإعادة دراسة اللائحة وفقا لما أثير حولها من ملاحظات.. ومع أن هذه اللجنة تفانت في التدقيق حول كل بنود اللوائح الثلاثة الانتخابية والمالية والإدارية فإن كثيرا مما اقترحت تعديله من البنود لم يؤخذ من الوزارة في الاعتبار». غير أنه لا ينكر أن بعض التعديلات التي اعتمدت كانت مثمرة جدا، لكن التعويل الحقيقي كما يقول الخليل يبقى على الناخب «الناخب الذي يترتب على صوته الواقع المستقبلي للثقافة في بلادنا بأن يشعر بأهمية صوته ويمنحه لمستحقه بعيدا عن مبدأ الفزعة للأقربين، فالناخب هو المسؤول الأول والأخير عما تفرزه الانتخابات» .