استيقظتُ صباحًا على حرارة مدينة «جدة»؛ تتسلل إلينا لتمحو نسمة الربيع الجدّواي، وجهتُ أدراجي نحو منتدى الأسر المنتجة.. كنتُ أبحث عن آمال جديدة لتلك الأسر في يومٍ جديدٍ.. تجوَّّلتُ في المعرض.. منتجات من الأسواق غير مبتكرة.. وأخرى حديثة بأفكار شبابية.. وأصناف متنوعة من المخبوزات.. تمتمتُ بصوتٍ لا يسمعه غيري، وكيف ستنافس منتجاتهنّ المنتجات الصينية في بلادي؟! لفت انتباهي في المعرض فتاة تعرض منتجها (قلادة ذهبية عليها شعار «السعودية»)، منهمكة في بيع منتجها، وشرح الفكرة من القلادة التي تُرسِّخ شعار الوطن.. ثم انتَبَهَت لوجودي، فتبسّمت لي بلطف، ورفعت يديها بالتحية.. تقدمتُ منها، تملّكتني شحنة معرفية لمعرفة منتجها.. دائمًا تأسرني منتجات الأسر المنتجة، في كل مكان أسافر إليه أحاول أن أكتشف كنوز أعمالهنّ. عرّفتها بنفسي.. رحّبت بي، وطلبت التحدث معي.. اكتشفتُ أنها من رائدات الأعمال اللاتي يعملن من «بيوتهنّ».. التفتت إليَّ مُتهكّمة سائلة: ألا زلتم تدعمون الأسر المنتجة بصوركم في الإعلام؟! حاولتُ أن أتّجه بالحديث إلى منتجها.. سألتُها عن تجربتها وانطباعها عن «المعارض والندوات»، نظرت إليَّ نظرة تُشبه "هبوب رياح سموم مكاوية مباغتة".. ثم قالت لي: أحببتُ العمل الحر؛ للتخلّص من الوظيفة والتحرّر منها. كنتُ أحاول أن ألتقط البذور الضائعة في تراب أفكارها.. بقيت صامتة.. قالت لي: لديكم أفكار تطرحونها في جلسات المنتديات.. ثم تبسّمت بسمة يأس جافة وأكملت: رغم ذلك اكتفيتم بما في أوراق العمل دون أن ترفعوا أعناقكم إلى أبعد من السياج، ويبدو أنكم تغادرون المنتديات والمعارض مكتفين بتصدّر صوركم للصحف والمجلات.. لديكم أفكار لدعمنا، ولكن أفعالكم تقول عكس ذلك.. تشترون منتجاتنا شفقة علينا، لكنكم لا تستخدمونها.. تقتنون كروت أعمالنا ولا تعودون إلينا. كانت كلماتها ترتعش كشرارة دافئة تحت جلدي.. استمرّت تسرد معاناتها بالألم.. كنتُ أستمعُ إليها بشغفٍ وفضولٍ، وأقاطعها أحيانًا.. قلتُ لها: لسنا كلنا كذلك!! استطردت وأخذت تضحك ضحكة من القلب، وتُقلِّب القلادة الذهبية لتظهر شعار السعودية للزائرين.. ثم قالت: ما تفعلينه الآن يؤكد حديثي، فأنتم اختصرتم حاسّة الحواس كلها فيما تتحدّثون أكثر ممّا تستمعون.. قلتُ لها بنزق تلميذة رسبت في الامتحان: إن مفهوم الأسرة المنتجة؛ مفهوم تسويقي جديد في وطننا. أجابتني بحزم وتخلّت عن الابتسامة.. أنا أحمل آمالاً لمنتجي ووطني وعملي.. لكن أنتم -يا مَن تزعمون أنكم داعمون لمنتجات الأسر المنتجة- شكّلتم تصوُّرًا لصوركم ولذاتكم.. ودّعتها -وغصّة في حلقي- وأنا أتساءل: هل بائعة القلادة الذهبية كانت فعلاً على حق؟! [email protected]