ما زلت أتذكر ما قبل خمسة عشر عامًا مضت عندما حضر إلينا في قسم الفنون التشكيلية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب إباّن إزدهار الحركة التشكيلية وأوج توّهجها عندما كانت الرئاسة معنية بالشأن الثقافي قبل انتقالها إلى وزارة الثقافة والإعلام، أقول ما أزال أتذكر عندما حضر إلينا ذلك الشاب الممتلئ أيامها حماسًا وحيوية وكنت وزملائي في قسم الفنون التشكيلية الأحبة طيّبي الذكر عبداللطيف بلال وصالح خطاب وزملينا الفنان والناقد المصري سمير ظريف. هذا الشاب هو الفنان التشكيلي عبدالناصر غارم العمري والذي لمع نجمه مؤخرًا كنجم تشكيلي بارز، حيث أشادت بحضوره اللافت وتوّهجه العديد من وسائل الإعلام العالمية وأبرزت منجزاته الفنية، حيث قالت عنه صحيفة «نيويورك تايمز»: إنه «ضابط الجيش المبدع» إشارة إلى أنه رجل عسكري في الجيش السعودي، وجاءت هذه الإشادة من خلال تقرير مصوّر عن هذا الفنان الذي وصل إلى العالمية من أقصر الطرق، بما مكنّه من طرح اسمه كشاهد على المستوى الجميل للتشكيل العربي المعاصر على الرغم من أنه ابن العسكرية الصارمة والقاسية على حد قول الصحيفة. وتطرّقت الصحيفة إلى منجزه الفني الذي تم بيعه مؤخرًا في مزاد دار «كرستيز» الشهيرة في مزادها في دبي بمبلغ مليون دولار، وهو السعر الأعلى كما تقول الصحيفة على مستوى العالم العربي. ما يميّز الفنان عبدالناصر هو حماسه وجدّيته ونزعته إلى طرح اسمه في الصفوف الأولى، وقد كانت مشاركاته وبداياته مع معارض الرئاسة العامة لرعاية الشباب من خلال أعماله ذات النزعة الواقعية في المناظر الطبيعية والريف والمآذن والقباب والزخارف الإسلامية مستخدمًا الألوان المائية كوسائط يتقن التعامل معها وتطويعها بما يخدم المنجز بكل حرفة واقتدار، إضافة إلى تطويع الحرف العربي وتوظيفه في عناصره الفنية مؤكدًا نزعته الإيمانية الفطرية. استفاد عبدالناصر من جرأته وحماسه وطموحه وواصل البحث والإطلاع والتجارب حتى تمكّن من الانطلاق في آفاق أكثر رحابة وأجواء انعتق من خلالها من ويلات «البيروقراطية» ووظف خبراته الفنية والتقنية في إنتاج أعمال ذات دلالات ومضامين وإيحاءات ومعانٍ تدعو إلى التكيّف مع معطيات المرحلة والبُعد عن الرتابة والنمطية في مناحي الحياة، جاء ذلك وفق قوالب جمالية تتضمّن العديد من الرؤى والأفكار التي يؤمن بها ويرغب في إيصالها إلى الآخر من خلال رسالة الفن. تحية لهذا الفنان المتألق والحاضر في عمق الجمال ولحظة الحدث.