خلال مزاد كريستيز العلني، الذي أقيم مؤخراً في دبي، بيع عمل غارم المعنون باسم “الرسالة/ الرسول” بقيمة 842 ألفاً و500 دولار، وهو أغلى مبلغ يدفع لقاء عمل يحمل توقيع فنان عربي ما زال على قيد الحياة. والعمل قبة من الخشب والنحاس بحجم ثلاثة أمتار، يجسد قبة الصخرة في مدينة القدس. صدر عن منشورات بوث كليبورن برعاية مؤسسة “إدج أوف أرابيا للفنون” كتاب باللغة الإنجليزية عنوانه “فن البقاء”، للكاتب البريطاني هنري هيمينغ، عن تجربة الفنان السعودي عبدالناصر غارم، الذي بيع عمله “الرسالة” في مزاد كريستيز في أبريل الماضي بقيمة 842 ألفاً و500 دولار، وبهذا الرقم أثبت غارم أنه يمكن أن ينطلق الفنان من الشرق، وأن يكسر المفهوم الذي يجعله يسافر إلى نيويورك، أو باريس من أجل الانطلاق من هناك. يتضمن الكتاب عرضاً لمسيرته الفنية منذ انطلاقته العام 2000م. ويصف هيمينغ عبدالناصر بالفنان الاستثنائي في تاريخ الفن السعودي المعاصر، الذي لم يكتفِ بالعمل معزولاً في مرسمه، ومستقراً أمام المسند يحمل لوح الألوان، وإنما انطلق إلى الشارع، أو أي مكان يجد فيه فرصة سانحة لابتكار عمل فني، لأنه إنسان يقدّر قيمة الصدف، وهي صفة تقع في صميم ممارسته، إلى جانب اهتماماته الاجتماعية والبيئية. فهو ليس موجوداً للاحتجاج وحسب، أو لابتكار الجمال من أجل الجمال، وإنما يحاول اكتشاف الوديعة الجمالية الكامنة في واقع المسارات التي ينتجها. وأشار هيمينغ إلى أن غارم بدأ مسيرته بإنتاج لوحات مائية مؤثرة تقنياً، ولكنه في الأعوام الثمانية الأخيرة غيَّر تقنيته مع توسّع آفاقه الفنية، وأصبح مشروعه الفني متجذراً في سياقه الجغرافي والاجتماعي. ولد غارم في العام 1973 في خميس مشيط الواقعة بالقرب من مدينة أبها، وتلقى دروسه في قرية المفتاحة التشكيلية، قبل التحوّل من الرسم إلى فنون الأداء (بيرفورمانس). ومن أول أعماله التي عرضت في بينالي الشارقة عام 2007م، أداء أنجزه في أحد شوارع أبها الرئيسية، حيث غطى شجرة بلفافة بلاستيكية، وظل داخلها طيلة اليوم يتنفس من الأكسجين الذي تنتجه الشجرة. وغارم بهذا العمل سعى إلى توثيق علاقة الإنسان بالبيئة المحيطة، والإشارة إلى استيراد هذه الأشجار غير المألوفة من أستراليا، والتي تلحق أضراراً بالغة بالأشجار المحلية، على الرغم من إنتاجها كميات هائلة من الأكسجين. أسس غارم مع صديقه الفنان أحمد ماطر “جماعة شتى” مطلع العام 2004م، وفي العام 2008م عرضوا أعمالهم في معرض “حافة الجزيرة العربية” (Edge of Arabia)، في جاليري بروناي بكلية الدراسات الشرقية بلندن، وأقيم المعرض بمشاركة 22 فناناً سعودياً، ضمن مبادرة تهدف إلى دعم الفنانين الشباب ليشكلوا جيلاً جديداً من الأصوات المبدعة العابرة للحدود. ثم انتقل المعرض بعد ذلك إلى بينالي فينيسيا، وعرضت هذه الأعمال أيضاً في برلين واسطنبول، وأخيراً في دبي. عبدالناصر تحدث عن تجربته، فقال: وجدت في “الإنترنت” مصدراً مهماً للمعرفة والبحث، بغياب المتاحف في السعودية، وبغياب مكتبات تبيع الكتب الفنية، وبدأت أبحث عن الوسائط الحديثة، ووصلت إلى طريقتي في العمل التي تسمى”الآرت وورك”، بعد أن اضطررت إلى العمل في الشوارع بين الناس الذين يأتون من كل مكان، ويصبحون جزءاً من العمل الذي أحاكيه فيهم. وأوضح: لم أكن أتوقع أن أصل لهذا، فما حدث أعطاني ثقة كبيرة بما أفكر فيه، ودفعني لأكمل مشروعي الذي بدأت، كما منح الفنانين في السعودية الثقة بأعمالهم. ولكن تجربة غارم لا تقف عند الحدود الشخصية، وهذا ما دفعه كما قال للتبرع بكامل المبلغ للبرامج التعليمية في مؤسسة “حافة الجزيرة العربية”، وذكر أن هذه المؤسسة تنظم برامج تعليمية للفنون، “وأنا لا أرغب بأن يعاني الفنانون الشباب المعاناة نفسها التي شعرت بها، بل أتمنى أن يجتازوا خطوات مهمة في مجال تجاربهم الفنية”. وكشف غارم، الذي عادة ما ينظم معارض لفنانين سعوديين داخل وخارج المملكة، عن إقامة معرض فني في جدة منتصف شهر يناير المقبل، سيجمع فيه تجارب الفنانين السعوديين من كل الأجيال.