الإفراط في الثقة -أحيانًا- في الناس والإسراف في التفاؤل تجاههم حتى تبوؤهم منزلة عالية في الأعماق غير منصوح به..، وفي الغالب غير محمود العواقب.. فمن غير الحكمة أن تتوقع المثالية والشفافية والنزاهة المطلقة فيمن تتعامل معهم.. فواقع الحياة والتجارب تصدمك من حين لآخر بمشاهد وأنماط للنفوس البشرية سرعان ما تكتشف في غمار الامتحان -التجربة- أن معادنهم (فالصو) وأنك كنت تراهن على جياد خاسرة عاجزة من فصيلة (الفالصو) التي طالما حلمت بها ومعها وأسرفت في الوثوق بها حتى صدمتك الخديعة في أصحابها عند الشدائد!! والأمر ينطبق في تلك الشواهد على أمثلة غير قليلة في محيط الحياة اليومية.. ففي بيئة الأعمال والمصالح تستاء إلى حد القرف من الوجوه المخادعة المنافقة التي تحتال عليك وتأخذ ما عندك ثم تسرف في إيذاء مشاعرك وتنقل عنك.. وتستغل بساطتك وعفويتك فتفتح قلبك لها ثم تسيء إليك فهي نفوس تقابل الإحسان بالإساءة والمعروف بالنكران.. وهناك فئة من كنت تعتقد أنهم في خانة الأصدقاء في مجالس النفع والمصلحة.. وربما تجدهم عند أي شدة أو مشكلة لا يحرّكهم أي ساكن وكأنهم لا يعرفونك ويتفرجون على من تختلف معهم أو يسيئون إليك ولا يتخذون موقفًا تفرضه الصداقة الحقيقية التي أصبحت في عالم اليوم كالعنقاء.. ونفس هؤلاء تتلقى اتصالاتهم وأسئلتهم حين تكون لهم عندك حاجة أو مصلحة!! وقد ينطبق هذا السلوك حتى على الأقربين والمعارف في عالم اليوم عند الذين يستكثرون عليك عزّة نفسك وشموخها فيمعنون في استغلال طيبتك وعفويتك ليسلبوك حقوقك بكل جرأة وصفاقة ولا يردعهم خوف من الله أو وازع من ضمير. يقول الحكماء الفلاسفة: إن الناس ثلاثة أصناف (صنف تحتاج إليه في كل وقت وحين والصنف الثاني كالدواء تحتاج إليه أحيانًا، والصنف الثالث كالداء لا تحتاج إليه أبدًا) ويقولون: (الصداقة كالمظلّة التي كلما أشتدّ المطر كلما ازدادت الحاجة إليها والاعتماد عليها). فإذا حللّنا تلك الأصناف وماهية رأي الحكماء فيما وطبّقناها على نماذج البشر اليوم قد تصدمنا الحالات والمواقف!! فالصنف الأول لا أريد أن أكون متشائمًا غير أني أؤكد في سياق موضوع مقالي أن نسبته بدأت في التناقص كثيرًا فليس ثمة من تعتمد عليه وتحتاج إليه في كل وقت وحين إلا الله الذّي يسخّر لك كل شيء وأما الناس مهما كانت صلاتهم فعلاقاتهم مرهونة معك بالوقت والظروف والفائدة والتغيير والتقلب. أما الصنف الثاني فأخشى القول أنه قد ينطبق على الكثير من النماذج التي تقابلها حولك في الحياة فأنت تضطر مرغمًا إلى الحاجة إليه أحيانًا وإذا ما انتهت الحاجة فلن تجده أمامك.. إذن فهو كالدواء.. وتسأل الله ألا يحوجك إليه!! وأما الصنف الثالث الذي يمثل الداء فقد وافق الوصف الحالات كثيرًا إذ ان ثمة أناسا تؤثر الابتعاد عنهم ولا تريد مجرّد التفكير فيهم أو التعامل معهم لأنهم يمثلون الداء في حياتك.. والعلاقات الإنسانية في مجتمع اليوم -بكل أشكالها- مشوبة بالعديد من المصالح والصراعات والغيرة والحسد والخداع وهي تحدد محور وأساس صلة بعض المحسوبين عليك وسرعان ما تنجلي عن عيونك الغمة فتراهم في حالك الظروف على حقائقهم دون تزييف أو أقنعة.. أما تشبيه الصداقة بالمظلة فهو وصف راق وموفق فإذا ما طبّقته على من حولك..، انظر حينها من سوف يتبقى ليس من الأصدقاء فحسب بل من الزملاء والأقارب والأرحام في ذاكرة هاتف جوالك وايميلك؟! لأن فلسفة الصداقة والقرابة قائمة كما تعلّمناها وورثنا معانيها الرائعة في جيل الزمن الماضي الجميل يفترض أن تكون مثل المظلة التي تقيك المطر والنوائب والأزمات بعد الله سبحانه وتعالى.. لذلك يصاب من يلجأ إلى الناس في أزماته وينسى أن الأمر كلّه بيد (رَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ) الذي يلبي حوائجك ويأتيك هرولة إذا جئته ماشيًا..، ومن هنا زادت مشاكل الناس وهمومهم بينما ضاع منهم الطريق وتعثرت بوصلة حوائجهم في إرشادهم إلى الاتجاه الصحيح. وما أروع حديث ابن عباس قال كنت خلف الرسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال:(يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ). وقس أمورك وفق روعة توجيه الحديث الشريف وانظر في فلسفة الحاجة فأنت حين تسأل أو تطلب من أحد دائما ما تشعر بالضعف أو الدونية إلا مع الله العلي القدير فأنت حين تسأله تزداد عزّة ورفعة وأنت حين تشتكي إلى الله وتدعوه تصفو نفسك ويطمئن قلبك وتغتسل من همومك.. فثق بالله وحده وليس البشر، فالذلّة في حضرة المولى سبحانه وتعالى قمة الرفعة والعزة والشرف لذلك يعاب على من يشكو للناس فكأنه يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم. [email protected]