لا غرابة في أن نجد طبيبا يعتز بصناعة الأدب، شاعرا كان أم روائيا، أو حتى كاتبا، فالأدب ليس حكرا على دارسيه، وقد أثبتت التجارب نجاح عدد من الأطباء في حقل الكتابة، شعراء وروائيين، وتفوقهم على دارسي الأدب، كالروائي والقاص البريطاني (سومرست موم)، والكاتب المسرحي والشاعر الفرنسي (الفرد دي سوسيه)، والقاص والكاتب المسرحي الروسي (أنطون تشيخوف)، وفي عالمنا العربي، الدكتور يوسف إدريس، ومي سعادة، وصلاح حافظ، والدكتور مصطفى محمود، كل أولئك أطباء، لكنهم أثروا الساحة بإبداعاتهم، وصنعوا أمجادا التصقت بأسمائهم. وطبيبتنا دكتورة القلب "إيمان أشقر"، التي سنعرض جزءًا بسيطًا من أعمالها، لم تكن إلا واحدة من بين أولئك الذين يغردون خارج عياداتهم بأعذب الكلم، فلقد استمتعت خلال عطلة الأسبوع بقراءة كتابيها "الكحل والخضاب" و"بنت لال"، ووجدت أنها قمة في الإبداع، وأنها لم تلق ما تستحق من أضواء. من النادر جدا أن نجد طبيبة تستبدل المبضع بالقلم، وبالكحل والخضاب، كما فعلت الدكتورة إيمان التي وصفت نفسها "عاشقة الحرف وصديقة الكلمة"، عجيب أن تداوي قلوب مرضاها وتعجز في نفس الوقت من أن تنأى بنفسها عن تعب القلوب، فتكون فريسة قسوة (الهدهد) – بطل روايتها – الذي كثيرا ما جعل نبضات قلبها تتسارع، وبدلا من أن تعالج نفسها، غدت تطلبه من "هدهدها"، الذي لم تسحره العيون التي زينها الكحل، ولم تسترعه تلك الأكف التي زينها الخضاب. لقد توقفت كثيرا عند بعض الجمل الرائعة، التي وردت في كتابها "الكحل والخضاب"، ولأن المساحة لا تكفي لأن أظهر كل ما أعجبني، فإنني أكتفي بالقليل منه، تقول "المؤلفة" تحت عنوان (جزيرة في محيط) "ظل النخيل لا يكفيني.. أحتاج إلى من يؤنس وحدتي.. لمن يرافقني الليل في هذه الجزيرة.. لا أريد قمرا فالنهار يبعده عني.. لا أريد شمسا.. فهي لا تشاركني ظلام الليل.. أريد صوتا يؤنسني.. جناحا يحتضنني.. دفئا لفؤادي.. وترا يعلمني النشيد". وتحت عنوان (المجد لك) تقول الدكتورة إيمان "قضبان أهدابك أستظل بها، أرفض الفكاك، واحة هي أضلعك وأنا أطلب حق اللجوء.. أهاجر من كل المرافئ.. وأهجر كل السواحل لأختبئ بين ساعديك" وتنهي هذا الفصل قائلة: "أبدعت في تعذيبي.. أتقنت دورك.. لقد حظيت بقتلي.. المجد لك". وأتركها عندما وضعت حدا للغياب الذي يسجله "هدهدها" في "كلمة السر" وتعلمه (عفوا سيدي .. الحب في دنياي لا يعني الرتابة.. عفوا فأنا امتهنت الحب قبل الكتابة). تلك مجرد إشراقة من عمل جيد يستحق أن يجد مكانه في ساحتنا الأدبية. [email protected]