التعليم ركيزة أساسية لكل الدول، منه تنطلق، وبه تتفوق إذا كانت المخرّجات ذات جودة نوعية. وقد تم مؤخَّرًا تعيين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وزيرًا للتربية والتعليم، في وضع تعليمي أجزم أنه لا يرقى للطموحات، ولا يحقق التطلّعات، ممّا يجعلنا ندعو الله بأن يعين سموه على مهمّته الجديدة. وفي عنوان مثير، نشرته إحدى الصحف المحلية مؤخرًا جاء فيه: (90% من السعوديين راضون عن مستوى التعليم)، وقد نجحت الصحيفة في إثارة القارئ؛ لعلمها الأكيد أن ذلك الخبر لا يمكن أن يكون دقيقًا على الإطلاق. وفي التفاصيل غرابة أكثر؛ فالخبر ليس منسوبًا لصحفي معيّن بل للصحيفة، ومبهم إلى درجة كبيرة، حيث ينص على: «كَشَفَ استطلاع للرأي أجرته شركة متخصصة». وكم كان القارئ يتمنى أن تكون مثل هذه الأخبار دقيقة وتفصيلية، فما المانع أن يُذكر اسم الشركة، وتفاصيل الاستطلاع، ومكان توزيعه. إن من المؤسف أن تتفنن بعض الصحف في اختيار عناوين جذابة، تجذب القارئ، لكنه إذا اقتنى الجريدة وأخذ يقرأ ذلك الخبر يجده واهيًا بعيدًا -كل البُعد- عن الصحة والواقع. وأقولها -وبكل صراحة- إن تعليمنا ليس كذلك، بدليل وجود العديد من المؤشرات والدلائل، وإثباتات لا يمكن أن تحتمل الأخذ والرد؛ فالخريجون أكثرهم عاطلون، ومن هم على رأس العمل (في العملية التعليمية) عند إجراء اختبارات قياس لهم لم ينجح سوى النصف منهم تقريبًا؟! إن من يريد إجراء دراسة عليه أن يتمكن من تحضير أدواتها بشكل جيد؛ فالاستطلاع كلمة فضفاضة لا يعلم المرء ما هي أدواته وعناصره، والتعليم لا يمكن أن تُقاس جودته بهذه الطريقة، بل المفترض أن يوكل هذا الأمر إلى جهة متخصصة، وتوزع الاستبانة في مناطق متعددة، ويكون المشاركون من المعنيين بالعملية التعليمية والتربوية بشكل لصيق (المعلمون والمعلمات والطلاب والطالبات) ثم أولياء الأمور والإداريون. مثل هذا الاستطلاع المثير لا يمكن قبول نتائجه؛ فتعليمنا يواجه تحديات عدة، وقد أمر خادم الحرمين منذ توليه مقاليد الحكم بتوفير تسعة مليارات ريال لتطوير التعليم، وهو ما يؤكد عدم مصداقية الاستطلاع المنشور. وعلى الرغم من صدور الأمر الملكي بذلك إلاّ أن تعليمنا لا يزال بحاجة إلى أنظمة ذات جودة عالية تحفز الواقع التربوي على الإبداع، ولا تكتفي بالتطبيق، مع أن التطبيق في حد ذاته غير متكامل حتى الآن. فكيف يمكن أن نتوقع مستوى التعليم؟!. وزارة التربية والتعليم في منأى عن الجانب النفسي للمعلم والمعلمة، وآخر إجراء إداري قامت به هو التوجيه بعدم المطالبة بالنقل قبل ثلاث سنوات؛ وهذا إجراء عجيب لا يراعي الجانب النفسي، وبالإضافة إلى ذلك هو مخالف لنظام الخدمة المدنية. ويبدو أن الأمير خالد الفيصل بمناسبة تعيين سموه وزيرًا للتربية والتعليم سيكون أمامه حزمة من التحديات، ومجموعة من العقبات، نرجو الله أن يمكّنه من التغلب عليها وتجاوزها بعزيمة لا تعرف الصعوبات، ولا تؤمن بالمستحيلات؛ فالمعلم يعيش ضغوطًا إدارية ونفسية واجتماعية، والوزارة لا يعنيها سوى التعاميم، ففي كل يوم تصدر تعميمًا، ولا يكاد يجف حبره حتى يُتبع بآخر، في صورة لا يرجى منها تعليم منافس ذو جودة عالية؟! ولكي يرتقي تعليمنا ويبلغ مستوى معينًا من الرضا؛ فلابد أن يراعي الجوانب المكونة للتربية في تكامل وتناسق لا ينفك بعضه عن بعض، وبمناهج تعليمية متقنة، ومعلمين أكفاء يعملون بارتياح تام، وقد عادت لهم هيبتهم، واستعادوا مكانتهم، وبيئة تعليمية مهيأة الأجواء مشتملة على كل الإمكانات، لنرى حينها مخرجات نباهي بها العالم أجمع (كما جاء على لسان سمو الوزير)، وحينها يمكن إجراء استفتاء: هل أنتم راضون عن مستوى التعليم؟! همسة: المبالغة ممقوتة، والأرقام الفلكية باتت ممجوجة، والنسب العالية بدت أضحوكة، فهل تدرك بعض صحفنا ذلك؟! [email protected]