مع صدور الميزانية للعام 2014م والتي بلغت 855 مليارًا فإن المواطن البسيط يتساءل في عفوية مجرّدة كيف يستفيد من هذا الحجم الكبير من الإنفاق الحكومي؟! والواقع أن الأمر أكبر وأكثر بُعدًا في ميزان المقاييس المالية عنه في التقديرات والمصالح الشخصية فليس المهم أرقام الميزانية ولكن ما مدى الاستفادة القصوى من وفوراتها وليس من الضروري أن يرى المواطن الفوائد خلال العام المالي الذي أعلنت فيه الميزانية لأن الموضوع ليس بالشكل الذي يفسره بعض البسطاء؟ * لكننا نلتمس العذر للمواطن البسيط ونحاول معه تحليل مؤشرات الميزانية وأولها أن الإيرادات قد فاقت المخطط بنسبة 36.4% وهو مؤشر رائع لكن 90% من الإيرادات هي ما تزال من مصدر البترول.. وهو ما يخشى منه على الأجيال القادمة حين اختلال التوازن في عرضه وطلبه إن لم يخطط لمصادر بديلة أخرى للدخل.. والمؤشر الجيد الآخر هو انخفاض أو تراجع الدين العام بنسبة 24% عن العام الماضي وكلنا نتطلع من أجل الأجيال القادمة إلى انخفاضه بشكل كبير حتى يوظف ما يتوفر من إيرادات في التنمية والإنفاق العام للدولة والمواطن.. * وكذلك تنامي الإنفاق على قطاع التعليم الذي زاد بمعدل 2.9% عن العام الماضي وبلغ أعلى درجات المخصص للإنفاق في البنود وهو استثمار كبير دون شك غير أن 16 مليارًا منه تذهب للمبتعثين في الخارج وأعدادهم حوالى 185 ألف مبتعث .. فهل الأمر يحقق أقصى معدلات الجدوى خاصة إذا رجع أولئك دون توفر وظائف ملائمة لتخصصاتهم؟ وهل كل التخصصات المبتعث عليها يحتاجها سوق العمل؟ وهل تسهم التخصصات في رفع الطاقات الإنتاجية ورفع مستوى الأداء أم أنها إضافة غير ذات قيمة للموجود من خريجين؟ وهل لو تم توظيف بعض المبالغ المنصرفة على الابتعاث لتطوير التعليم في الداخل يمكن أن يحقق أفضل النتائج حتى ولو على الأمد المتوسط؟ فنحن يفترض أن لا نخطط لجيلنا وإنما للأجيال القادمة. * وهناك العديد من المليارات للجانب التعليمي ولكن في ضوء ما نحسّه من أزمة حقيقية في التعليم لا بد من إعادة النظر في أسس توزيع موارد الإنفاق حسب البنود في مجال التعليم لتعطى الأولية لتطوير ولا أقول تغيير المناهج وتحسين وضع المعلم إعدادًا وتطويرًا ودخلًا لأنه العامل الرئيس في صناعة التغيير والإبداع وبعد ذلك البيئة التعليمية نقول بهذا لأن الدولة قد أنفقت الكثير من المبالغ على مدار السنوات في هذا القطاع ولم تؤتِ ثمارها المرتقبة على مدار تلك السنوات! وهناك 29 مليارًا تشمل برنامج معالجة الفقر وهو البرنامج الذي طال الزمن حتى يؤتى ثماره رغم ما أنفقته الدولة عليه.. فأين خططه ومساراته وكيف وصل؟!..وتلك أسئلة ملحة يحتاج المواطن البسيط الفقير أن يلقى إجابات شافية عليها.. ثم يلي الجهة المستفيدة من (29) مليارًا مخصصات ذوي الاحتياجات الخاصة والضمان الاجتماعي وهما بندان مهمان دون أدنى شك ولا بد من العناية بهما بشكل كبير. * وحتى الآن لم تلاحظ قفزات في إيرادات مصادر الدخل الأخرى مثل هيئات الجبيل وينبع والأسمدة والذهب والمعادن والزراعة وغيرها من مشروعات يفترض أنها تنمو كرافد للإيرادات ومن ثم وهو المهم ما يفترض أن تستثمره أرامكو كجهة تعمل في مجال البترول على مدار السنوات الطوال وقد استفادت وكوادرها من عوائد ولها من الإمكانات والدخول والقدرات التنظيمية والتخطيطية لتسهم برافد في الاستثمار إلى جانب وظيفتها الرئيسة التقليدية في البترول.. * أما استثمارات الأجيال القادمة فالواقع أننا نأمل أن يتم التفكير في استثمارات تجارية وعقارية حول العالم لإيجاد روافد إيرادات أخرى تصّب في مصلحة الأجيال القادمة وتطمئن الناس على الوضع فيما لو اختلّ -لا قدر الله- ميزان الاعتماد على البترول وثمة أمثلة لدول مجاورة استطاعت أن توجد روافد دخل ثابتة وقوية ومتنامية للأجيال القادمة.. وهو تفكير مهم في ضوء المتغيرات من حولنا.. * بالطبع نحن لن نتجاهل ما تنفقه الدولة على جانب الدفاع والأمن وهما خطان أحمران وحجم التحدّيات التي تواجهها المنطقة تتطلب المزيد من التخطيط الإستراتيجي في هذا البعد المهم الذي توليه الدولة عنايتها ويأخذ بالتأكيد نصيبًا من الدخل.. غير أن الأمر يحتاج إلى استغلال الشباب وطاقاته وحاجاته للعمل في مشروعات عسكرية وأمنية مصاحبة لخطوط الدفاع والأمن الرئيسة حتى نقوّى من قواعد البناء ونحل مشكلات البطالة المرحلّة من ميزانية لأخرى.. * إن دعم بعض الأجهزة الخدمية في سبيل تخفيض التكاليف الباهظة على المواطن..، مثل الكهرباء والهاتف والرسوم هو أكثر جدوى دون شك من الدراسات التي تتناول زيادة الرواتب لأن الزيادة وبكل أسف قد ثبت بالتجربة أنها تزيد من التضخمّ وتغري من لا يخشون الله من التجار الذين يبادرون إلى استغلال أي زيادة برفع الأسعار فتأتي على أكثر من فارق الزيادة في الرواتب. [email protected]