لاشك أن ما شهدته المملكة من نهضة تنموية في شتى المجالات محل اهتمام، ويبعث على الارتياح في حالات كثيرة.. ويدل على أن عوائد النفط قد استغلت الاستغلال الأمثل.. وأن التخطيط في كثير من مراحله كان في الاتجاه الصحيح، حتى وإن تأخَّر تنفيذ بعض المشروعات الرئيسية بعض الوقت. النقل الداخلي وتأثيره على الحركة بين المناطق والتنقل في داخل المدن، من المشروعات التي لازال المجتمع ينتظر تقدم ملموس في كل جوانبها. فالاستمرار في الاعتماد على النقل الجوي والطرق البرية وحدها لا تفي بالغرض في دولةٍ مترامية الأطراف مثل المملكة العربية السعودية. مشروعات القطارات تأخّرت كثيرًا برغم أهميتها القصوى لنقل البضائع والمحروقات والركاب. قطار الحرمين بين مكة -جدة- المدينة كان المأمول أن يكون من الأولويات، والأمل أن يتم إنجازه بعد طول الانتظار في أسرع وقت ممكن مهما كانت التكاليف، مع التأكيد على ضرورة جودة التنفيذ. ميناء مدينة الملك عبدالله الاقتصادية سيكون رافدًا هامًا لنقل البضائع المستوردة بواسطة البحر، لتخفيف الضغط عن ميناء جدة، ويُسهِّل حركة نقل البضائع لمقصدها النهائي في وقت قياسي، والتأخُّر في تنفيذه لا يخدم الهدف الذي بدأ المشروع من أجله. النقل العام داخل المدن وضعه مُحيِّر جدًا، حيث لا يوجد أي مبرر لتأخيره بكل ما يحيط به من عوامل اقتصادية واجتماعية، ومن قُدِّر له أن يرى سهولة التنقل في بلدان مثل لندن وباريس ونيويورك، يستغرب لماذا لا يوجد لدينا شبكة حافلات كبيرة ومترو بذلك المستوى في كل من الرياض، وجدة، والدمام، ومكةالمكرمة، والمدينةالمنورة، حيث إن المردود المادي مُؤكَّد من حيث توفير الوظائف للمواطنين، وتيسير التنقل، والاستثمار المادي المجدي تحت إدارة حكيمة، بالإضافة إلى راحة المجتمع والحد من الاعتماد الكلي على المركبات الصغيرة بكل ما يترتب على امتلاكها من قبل المواطن والمقيم، مثل الزحام والحوادث والضغط على مرافق الدولة لتجديد الرخص والتأمين والمخالفات المرورية... إلخ. الاهتمام بالخطوط البرية الطويلة كان موفّقًا، وأحسب أن ذلك تم على حساب النقل داخل المدن، وهذا التوجه ينبغي أن يُعالج في أسرع وقت ممكن من أجل الاقتصاد والحياة الاجتماعية، وراحة المواطن بصفة عامة. الحديث عن النهضة والتنمية لا يكتمل بدون ذكر ما حصل وما لم يحصل في التعليم العام، لأن الاهتمام بالتعليم هو الرهان الحقيقي الذي بدونه لا تُحقِّق الشعوب أهدافها. في المدن الكبرى لازال عدد كبير من المدارس مستأجرة، والأغلبية منها دون المستوى المطلوب للبيئة التعليمية. المعلم والطالب بحاجة لمرافق صحية تتوفر فيها كل إمكانات التربية السليمة، والاستمرار في استئجار مباني بُنيت لأغراض أخرى يظل من النواقص الجوهرية التي ينبغي معالجتها في أسرع وقت ممكن، لما لها من آثارٍ سلبية على مسيرة التنمية المستدامة في المجتمع. لقد بنينا خلال العقود الماضية من مسيرة نهضتنا التنموية -وسنظل نبني- المرافق العامة والطرق والمستشفيات والمطارات والموانئ والجامعات، وحتى اسطبلات الخيول ومضامير الهجن، ولم ننسى المساجد، ولكننا إلى هذا الوقت لم نُعطِ كتابة التاريخ الاهتمام اللائق. وأختم بالقول: إن أي نهضة تنموية يجب أن يكون هدفها الرئيس راحة المجتمع وتهيئة الأجيال لمستقبل أفضل، والتعليم مفتاح النجاح. وبمناسبة العام الهجري الجديد أتمنى على وزارتي التربية والتعليم والنقل مراجعة خططهما التنموية وإصلاح القصور في تلك الخطط، مع التركيز على تقليص الاعتماد على المدارس المستأجرة، والإسراع في مشروعات النقل العام.. والله من وراء القصد. [email protected] [email protected]