أواصل الحديث عن ما ترتب على المفهوم الخاطئ للقوامة من إيذاء للمرأة، وذلك من خلال: - تفسير شرط القوامة (بما فضّل الله بعضهم على بعض) بأنّ الرجال أفضل من النساء، وهذا ما ذكره الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية، مع أنّ هذا المعنى يتنافى مع آية (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)، الأفضلية هنا لمن تتوفر لديه القدرة على القيادة، بدليل مجيء النص القرآني بلفظ(الرجال)، وليس (الذكور) لأنّ ليس كل ذكر رجلًا، وهناك نساء يتصفن بصفات الرجولة، فقد وُصفت السيدة عائشة -رضي الله عنها- بأنّها "رجلة في الحديث"، وهذا يعني أنّ هناك حالات لا يصلح فيها الرجل للقوامة مثل المريض النفسي، أو المشلول شللًا كاملًا لا يتحرّك ولا يتكلّم، أو مدمنًا للمخدرات والمسكرات، أو مجرمًا إرهابيًّا، أو مجنونًا أو معتوهًا أو سفيهًا محجورًا عليه، أو مرتكبًا للفواحش مع محارمه، فكيف يكون مثل هذا قوّامًا على أسرته؟ - إعطاء حق القوامة للرجل الذي لا ينفق على أسرته، مع أنّ القوامة مشروطة بشرطي الأهلية والنفقة، فإن كان لا يُنفق على من هو قوّام عليهم، كيف تكون له قوامة عليهم؟ والمطلقة التي تنفرد بالإنفاق على أولادها لا تستطيع أن تسافر معهم، أو تدخلهم المدارس، أو حتى فتح حساب بنكي لهم. إلّا بموافقة أبيهم. - إعطاء القوّام حقوقًا ليست له كمنحه حق الانفراد باستصدار الأوراق الثبوتية للمرأة البالغة سن الرشد، وتجديد جواز سفرها. - تعميم مفهوم القوامة جعل كل الرجال قوّامين على كل النساء، لجعلها تحت رئاسة الرجل أينما كانت، وحرمانها من تولي مناصب قيادية. - بموجب المفهوم الخاطئ للقوامة القائم على الاستعباد أعطى للزوج حق الطاعة بشكل يُعطيه حق منعها من البر بوالديها، وزيارتهما حتى في مرضهما مرض الموت، وذلك من خلال ترديد ذلك بعض أئمة المساجد وبعض المشايخ في برامج إذاعية وتلفزيونية مستدلين بأحاديث ضعيفة وموضوعة، في مقدمتها حديث ابن بطّة الذي أورده ابن قدامة في المغني دون تخريجه وتوضيح سنده، فكل ما ذكره قوله: روى ابن بطة في أحكام النساء عن أنس أنَّ رجلاً سافر ومنع زوجته الخروج، فمرض أبوها، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادة أبيها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقي الله ولا تخالفي زوجك"، فمات أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور جنازته، فقال لها:" اتقي الله ولا تخالفي زوجك"، فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم:" إنِّي غفرتُ لها بطاعة زوجها". هذا الحديث ضعيف متنًا وسندًا. يقول الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء: قلت: لابن بطة مع فضله أوهام وغلط. وقال عبيدالله الأزهري ابن بطة ضعيف. ضعف الحديث متنًا: 1- واضح من نص الحديث أنّ المرأة خرجت من بيتها مرتيْن لتستأذن النبي عليه الصلاة والسلام في زيارة والدها المريض، وبذلك عصت زوجها، ولم ينبهها الرسول إلى ذلك. 2- لا يتفق مضمون الحديث مع قوله تعالى: (وقضى ربك ألاَّ تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالديْن إحسانًا) فقد قرن الله تعالى إفراد العبادة له بالإحسان إلى الوالديْن، ومن الإحسان إليهما برهما وزيارتهما وخدمتهما في المرض، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فعدم البر بالوالدين والسؤال عنهما وزيارتهما من العقوق بهما، والعاق لا يدخل الجنة، فالعقوق من أكبر الكبائر، وصلة الرحم تدخل الجنة، كما جاء في الحديث الشريف، وممّا يؤكد ضعف حديث ابن بطة أنّ الله أوحى للرسول بدخول هذه المرأة الجنة لأنّها أطاعت زوجها وعقّت والدها، في حين هي قد عصت زوجها بخروجها مرتيْن لسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم! 3- ما ذكره ابن قدامة من علة مرفوض، فقوله لا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب لا ينطبق على هذه الحالة، فزيارة المريض واجبة، فما بالكم بزيارة الأب إن مرض، فهي من أوجب الواجبات. 4- مناقضة ابن قدامة لما جاء في الحديث، فلو كان على قناعة بصحة الحديث لما قال: "لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما؛ لأنَّ في ذلك قطيعة لهما وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف". فكيف سيُعاقب الزوج الذي يمنع زوجته من زيارة أهلها، وهذا الحديث، وغيره من الأحاديث الضعيفة والموضوعة -التي يرددها خطاب بعضنا الديني- يُعطيه الحق في ذلك؟ انتقل إلى الاعتداء الجنسي الذي شمله تعريف النظام بالإيذاء: هو كل شكل من أشكال الاستغلال، أو إساءة المعاملة الجسدية والنفسية، أو الجنسية، أو التهديد به يرتكبه شخص تجاه شخص آخر له عليه من ولاية أو سلطة أو مسؤولية، أو بسبب ما يربطهما من علاقة أسرية، أو علاقة إعالة، أو كفالة، أو وصاية، أو تبعية معيشة. ولكن كيف ستتم حماية المرأة من الإيذاء الجنسي من محارمها وكثيرًا لا تُصدّق، وتُتهم بارتكابها الفاحشة مع أجنبي، وإلصاق جريمتها في أحد محارمها دون محاولة التثبت من صحة دعواها عن طريق فحص ال D.N.A حال إبلاغها عن حالة الاعتداء. ومن أين تأتي المُتحرَّش بها في البيت أو العمل بشهود على المُتحِرّش بها، فالتحرّش عادة لا يتم في الملأ؟ وللأسف المرأة لا تُصدّق، ويُقال إنّها تدّعي باطلًا! فكيف سنُعاقب المُغتصب والمُتحرّش إذا كنّا لا نُصدّق المرأة، ولا نُطبّق حد الزنا على المحارم إن ثبت عليهم؟! [email protected]