عجبي لا ينقضي من فكر يريد البعض تمريره على العامَّة والبسطاء من النَّاس وكأنَّه من الأُمور المسلَّمات ، بل بعضهم لا يعدُّه قابلاً للنِّقاش ، وتجده يُدافع عنه بكل بسالة ، ويُنافح بكل ضراوة ، ويحمل أجنداتٍ قد تتلاءم مع النِّزاعات الصَّفويَّة التي لا يخفى على الجميع خطرها على شعوب المنطقة ، ويظنُّ في ذلك خيراً ، وهو يحمل في داخله السُّمَّ الزُّعاف . أمرٌ لا يمكن السُّكوت عليه حين نرى بعض مفكِّرينا ومثقَّفينا وهو يقلب ظهر المِجَنِّ لثوابتنا ، وسماحة ديننا ، ووسطيَّة منهجنا ، وعظمة القدوة في تاريخنا ، ثم ينبري بكل صلفٍ ليفاخر بمذهب واحد ، أو يُقلِّب الحقائق من أجل الانتصار لجماعة محدَّدة وهي " جماعة الإخوان " دون التَّبصُّر والتَّأمل في بعض الخلفيَّات والمرجعيَّات التي تعتمد عليها هذه الجماعة كقاعدة لا مناص عنها . ويبقى السُّؤال الكبير : هل من الحكمة أن ترتهن العقول لذلك الفكر ؟ وهل يصحُّ أن تُزرع الألغام في عقول شبابنا حتى يتزوَّدوا بهذا المنهج ، ويغيب عنهم المنهج الصَّحيح ، والرُّؤية الثَّاقبة ، والحكمة الرَّائدة ، والقدوة الصَّالحة، والتَّوسُّط في الأمور دون غلوٍّ أو شطط ، أو تعصُّب مقيتٍ لمذهبٍ أو جماعة أو طائفة ، أو تطرُّف في الفكر قد يقود إلى عواقب وخيمة ، لا يحسب لها البعض حساب. لا يصحُّ أن تقع أفكارنا رهينةً لبعض الآراء السَّقيمة ، والأفكار الهدَّامة ، والمذاهب العقيمة ، و"الجماعات" التي تحمل أجنداتٍ ، نجهل منها كثيراً ممَّا نعلمه ، وذلك بدافع العاطفة والحماس ، لنغلِّب الأهواء على النُّصوص والعقول . وهل يظنُّ ظانٌّ أنَّ ما ترفعه تلك " الجماعات المتطرِّفة " من شعارات برَّاقة ، وخطب عصماء سيقلب الحقائق ، ويبدِّل الثَّوابت ، ويُحيل وَهَجَ العقيدة الصَّافية النَّقيَّة إلى تُصبح تابعةً لا متبوعةً لذلك الفكر الجديد. محالٌ أن نجد دعوةً أصدق ولا أنقى ، ولا أحكم ولا أعدل ، ولا أعظم تسامحاً ورفقاً بالبشريَّة كدعوة نبيِّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولو قلَّبنا صفحات التَّاريخ والمجد والخلود لما وجدنا قدوةً مثله ، فهو من تفخر به البشريَّة ، إذْ جاءها بالخير والهدى واليقين. فكيف نجد اليوم من يُفاخر بأسماء يجهلها التَّاريخ !! ولم تخطَّ سطراً في صفحات المجد والخلود !! بل إنَّها في ميدان الإعراب نكرة لا معرفة !!فهل نترك العظماء والأفذاذ ، ونرفع ألوية المجهولين وأصحاب المصالح الضَّيِّقة ؟ وهل نرفع شعارات لاتجاهات نجهل خطوطها وأفكارها وأجنداتها ؟ إضاءة : الإسلام جعلنا أمَّةً واحدة ، ومن الجهل والغبن أن نتفرَّق إلى جماعات .