يظلّ الأدب والفنّ بكلّ أشكاله من القدرات الهائلة المودعة في نفس الإنسان، يُعبّر من خلالها عن مكنوناته وأفكاره وأحاسيسه وحاله مستخدمًا الكلمة الأديبة، أو الريشة المبدعة، أو الصوت الرخيم، أو تكون أدواته عدسة وضوءًا. وقد استخدم الإنسان الأدب والفن لخدمة عقيدته.. فمن رحم العقيدة كانت تخرج لنا فنون وآداب تحمل ملامح فكر هذه العقيدة وسلوكها. وقد كان الفنّ دومًا أبرز لسان وأقوى حضور للتعبير عن العقيدة، لذا حرص الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجيّش من الشعراء فيلقًا موازيًا لفيالق الرماة والفرسان والمشاة، ورفع لحسان -رضي الله عنه- منبرًا في مسجده. فكان توظيف الأدب والفن في التعريف بالإسلام من أهم الأمور.. فللفن دور ورسالة تصل إلى المتلقي بإحساس مختلف، وبصيغة لها تأثير بالغ.. لذا فإنّ أسمى أنواع الفنّ هي تلك التي تجعل الدعوة إلى الله مقصدًا وغاية.. أي أن يجعل الفنّان الدعوة إلى الله من خلال الفن مقصوده سواءً أكتب نثرًا، أو نبض شعرًا، أو نقش رسمًا، أو نشد لحنًا، أو أخرج مشهدًا.. فالدعوة إلى الله لا تعني دومًا الوقوف على منابر الخطب، وتأليف الكتب الدينية المتخصصة فحسب.. يقول الله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). والعملية الإبداعية -مهما كانت صورتها ووسيلتها- في زمننا باتت أفضل لسان للدعوة، وأعظم وسيلة ترويج للعقيدة والأفكار. وقد لاحظنا أن الفنّ وأدواته صار مُسخَّرًا في السنوات الماضية بشكل مُكثّف للاعتداء المتواصل على رموز الإسلام الكبرى؛ كتاب الله عز وجل، والرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، والشريعة، والكعبة المشرفة والأماكن المقدسة.. وصارت تستخدم أيضًا وبمهارات فائقة لصدّ التوسع في انتشار الإسلام، بل وتجيّش ضمن الحروب الباردة التي تثار هنا وهناك؛ من أجل تشويه صورة الإسلام والمسلمين، أو لتبرير الاعتداءات العسكرية على العالم الإسلامي، مستخدمة وسائل عصرية مدهشة الإمكانات، تجاوزت العادي والمألوف، تبدأ من فن الكاريكاتير الساخر، وتنتهي إلى أفلام سينمائية فيها مجهود أدبي وروائي وشعري كبير. بينما لا نجد أعمالاً تخدم الإسلام والمسلمين في إبراز الصورة الحقيقية لعظمة هذا الدين، أو لكشف الحقائق بين المنهجية الحقيقية الصحيحة له وبين المنهجية المتطرّفة التي يسلكها بعض المنتمين إلى تيارات متخبّطة المنهج والطريقة، يشوّهون فيها صورة الإسلام باسمه -للأسف الشديد وما هم من الإسلام في ذلك بشيء. وإن وجدنا أعمالاً فنية تخدم الإسلام والعقيدة الصحيحة، نجدها لا تخرج عن كونها أعمالاً فنية فردية محدودة الانتشار والجاذبية والإمكانات. فشتان بين عمل سخّر كل الإمكانات والقدرات والجهود من صورة مدهشة، وصوت مؤثّر، وشاشة ثلاثية الأبعاد، وبين تأثير جهود دعوية محدودة الجودة والانتشار. هذا يجعلنا بحاجة إلى وقفة صدق وتأمّل وتخطيط سليم. فالدور المطلوب من مؤسسات التعريف بالإسلام ومكاتب الدعوة أن تعي المرحلة التي تعيشها، وأن تخاطب القوم بألسنتهم التي يتكلمون بها، ولغتهم التي يفهمونها، وتظهر على الشاشات بالصورة التي ينبغي أن يشاهدوها وتكون موازية في القدرة على الجذب والإبهار في الطرح. فما نحتاجه اليوم لإبراز صورة الإسلام هو تجارب فنية تخوض معركة الصورة، لتجسيد صورة الإسلام النقي الوسطي أمام أنظار العالم، وكشف حقيقته الناصعة. [email protected]