لماذا الإصرار من جانب حزب الحرية والعدالة على الإبقاء على حالة العداء والترصد المسبق للسلطة القضائية، والسعي المتكرر إلى تفكيكها وإهانتها رغم الاحترام الواسع الذي تحظي به من جانب كل فئات الشعب؟! ولماذا يقامر الحزب الحاكم في هذا التوقيت الصعب ليفتح معركة خاسرة مع قضاة مصر تحت شعار تطهير السلطة القضائية، ويسيّر المظاهرات السياسية المنظمة لدعم مطلب التطهير بدعوى أن القضاة أصبحوا طليعة الثورة المضادة، لمجرد أن محكمة الاستئناف طبقت صحيح القانون، وأصدرت حكمًا كاشفًا أيدته النيابة العامة بالإفراج عن الرئيس السابق المحبوس على ذمة ثلاث قضايا، بعد أن سقط أمر حبس المتهم في قضية التحريض على مقتل الشهداء بقوة القانون، ولم يعد أمام المحكمة سوى الانصياع لحكم القانون لغياب السلطة التقديرية للقاضي إزاء نص صريح مباشر يأمر بالإفراج، لأن عمل القضاء بغير ذلك يصبح، كما تقول حيثيات الحكم، عملا غير مشروع يشوبه البطلان!. لقد توافق المجتمع بأكمله، وفي المقدمة منه حزب الحرية والعدالة على أهمية أن تجري محاكمات رموز النظام السابق أمام القضاء الطبيعي، دون اللجوء إلى قوانين استثنائية، أو محاكم خاصة، واعتبر الجميع ذلك واحدة من الميزات الأساسية لثورة 25 يناير، وجزءًا من فخار الحزب الحاكم حصد بسببه تأييدًا واسعًا في الداخل والخارج، قبل أن ينكص الحزب على عقبيه ليطالب بتطهير القضاء، بدعوى أنه لم يعد أمام الثورة سوى أن تلجأ إلى القانون الاستثنائي لحماية نفسها من الثورة المضادة التي أصبحت مجرد شعار فارغ المعنى في مجتمع ينقسم على نفسه إلى شطرين، كل شطر يتهم الآخر بأنه الثورة المضادة..! وأخيرًا من المسؤول عن إهدار مطالبات عديدة بضرورة إصدار قانون جديد ينظم إجراءات العدالة في الفترة الانتقالية، آخرها ما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها الرئيس مرسي، وقدمت تقريرها قبل ثلاثة أشهر! ولست أظن أن التاريخ سوف يغفر لحزب الحرية والعدالة عدوانه الصريح على صرح القضاء المصري في ثلاث سوابق تاريخية معروفة، آخرها قضية تطهير القضاء من خلال تشريع جديد يتم تفصيله قصدًا، يهبط بسن إحالة القضاة إلى المعاش عشر سنوات مرة واحدة، في إجراء تشريعي يخاصم كل قضاة مصر، يفتقد الحكمة، ويتّسم بالتسرّع.