أظهرت جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر تمهلاً في إقرار مشروع قانون السلطة القضائية الذي يخفض سن تقاعد القضاة من السبعين إلى الستين سنة ويطيح آلافاً من شيوخ القضاة، بانتظار «توافقات» بين الجماعة والقضاة بعد الهجوم المتبادل بين الجانبين وما تراه الجماعة تربصاً من القضاء بالنظام الجديد. والتقى الرئيس محمد مرسي أمس المجلس الأعلى للقضاء. وعُلم أن اللقاء تم برغبة من القضاة، إذ اتصل رئيس المجلس ممتاز متولي بالرئيس مساء أول من أمس وطلب عقد لقاء مع المجلس لمناقشة الأزمة المحتدمة بين القضاة والرئاسة. وقالت مصادر رئاسية إن مرسي «أبدى امتعاضاً من هجوم شيوخ القضاة على النظام، واتهامه بالتحضير لمذبحة جديدة للقضاة، فيما استنكر القضاة التطاول عليهم في تظاهرات الإسلاميين الأخيرة تحت شعار تطهير القضاء وطلبوا التوافق على مشروع قانون جديد للسلطة القضائية قبل عرضه على مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) المقبل، وعدم إقرار القانون الحالي في مجلس الشورى» الذي يتولى سلطة التشريع موقتاً. وأفيد بأن القاضي في محكمة النقض ناجي دربالة شارك في لقاء مرسي في مجلس القضاء الأعلى رغم أنه ليس عضواً فيه. وبدا أن مشاركة دربالة هدفها تقريب وجهات النظر، إذ أنه قريب من الإسلاميين وشارك في عضوية الجمعية التأسيسية للدستور. وعقد نادي القضاة مؤتمراً صحافياً أمس شهد هجوماً حاداً على السلطة، وتحذيراً من إقرار مشروع القانون الذي تقدم به حزب «الوسط» الإسلامي القريب من جماعة «الإخوان المسلمين» في مجلس الشورى. وشارك سياسيون معارضون في المؤتمر الصحافي. وقال الأمين العام لنادي القضاة محمود الشريف ل «الحياة» إن «الاتحاد العالمي للقضاة أرسل خطاباً إلى الرئيس مرسي قال فيه إنه يراقب عن كثب أوضاع القضاء في مصر وأنه يرى اعتداءات على القضاة». وأضاف أن «نادي القضاة طلب رسمياً الانضمام إلى الاتحاد وأرسل المستندات اللازمة لإتمام العضوية، وحين نصبح عضواً سنكون منفتحين على العالم، والحديث عن الاعتداءات على القضاة مع الاتحاد أمر طبيعي وليس فيه أي انتهاك لسيادة الدولة... السلطة القضائية لابد من أن تأخذ خطوة نحو الدفاع في وجه ما تتعرض له من اعتداء». وكانت اللجنة التشريعية في مجلس الشورى التي تقوم بأعمال لجنة الاقتراحات، إذ لا يجوز لأعضاء المجلس دستورياً تقديم اقتراحات بمشاريع قوانين، أرجأت أمس مناقشة مشروع قانون السلطة القضائية الذي قدمه حزب «الوسط». وثار خلاف دستوري في شأن أحقية نواب الشورى في تقديم مشاريع قوانين وهي المهمة التي خص بها الدستور أعضاء مجلس النواب حصراً. وقال عضو اللجنة التشريعية القيادي في حزب «الوسط» جمال جبريل ل «الحياة» إن الدستور نص أيضاً في مادة انتقالية على انتقال السلطة التشريعية كاملة إلى مجلس الشورى «ومن يملك الأكثر فهو قطعاً يملك الأقل». وأوضح أن مشروع القانون يُفترض أن يُعرض على اللجنة التشريعية غداً. وأضاف أن «حزب النور يبدو أنه غير موافق على مشروع القانون، وليس معلوماً هل سيُكمل الإخوان في طريقهم أم سيكتفون؟ لا أعلم نية الإخوان». وتستضيف نقابة الصحافيين اليوم اجتماعاً تشاورياً لنقباء 15 نقابة مهنية للبحث في سبل دعم استقلال السلطة القضائية «في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها». ويعقد نادي القضاة جمعية عمومية طارئة غداً لمناقشة سبل التصدي لتلك الهجمة، كما يعقد مستشارو وقضاة مجلس الدولة جمعية عمومية طارئة غداً «لمواجهة الاقتراحات الخاصة بتعديل قانون السلطة القضائية وخفض سن تقاعد القضاة والأحداث الأخيرة مست بهيبة واستقلال القضاء ومحاولات النيل منه». وأكد المجلس الخاص لمجلس الدولة في بيان أمس أن «اقتراح تخفيض سن التقاعد للقضاة يمثل انتهاكاً صارخاً ومخالفة جسيمة للدستور الذي أوجب أخذ رأي كل جهة قضائية في مشاريع القوانين المنظمة لشؤونها»، موضحاً أن «اقتراح خفض سن تقاعد القضاة سيؤدي إلى إفراغ السلطة القضائية من الخبرات والكفاءات القانونية المتميزة والمساس بالحقوق المكتسبة للقضاة الذين سيشملهم الاقتراح، إضافة إلى تأثيره السلبي في حسن سير وانتظام وتواصل العمل القضائي واستقرار منظومة العدالة». واعتبر مجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة في بيان أن «تظاهرات جمعة تطهير القضاء انطوت على إرهاب وتجريح وإهانة للقضاء والقضاة أصاب جموع قضاة مصر بالصدمة والألم». وحذر من «مغبة أية محاولات لتكرار مذابح قضائية بإقصاء القضاة، ما يمثل عدواناً صريحاً ضدهم باعتبار أن من في الخدمة استقرت مراكزهم القانونية». من جهة أخرى، حددت المحكمة الدستورية العليا جلسة 12 أيار (مايو) المقبل لاستكمال النظر في الدعوى المطالبة بعدم دستورية قانون انتخاب مجلس الشورى وحل المجلس، استناداً إلى مخالفته مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، بسماح القانون للمرشحين المنتمين للأحزاب بالمنافسة على مقاعد المجلس المخصصة للمرشحين المستقلين. وكانت المحكمة الدستورية أمرت في 15 كانون الثاني (يناير) الماضي بإعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين في المحكمة، لاستكمال تقريرها في الطعن على ضوء أحكام الدستور الجديد الذي حصن المجلس.