في وقت يبدأ مجلس الشوري المصري اليوم مناقشة مشروع قانون السلطة القضائية المثير للجدل الذي سيطيح شيوخ القضاة وتعارضه غالبيتهم، قدم وزير العدل أحمد مكي أمس استقالته احتجاجاً على مشروع القانون. واستبق وزير العدل تعديلاً وزارياً مرتقباً كان يُتوقع أن يطيحه وقدم استقالته، احتجاجاً على «الهجوم على القضاة». وقال في نص الاستقالة التي أرسلها إلى الرئيس محمد مرسي: «منذ توليت وزارة العدل، فإن معارضين لك يلحون عليّ في الاستقالة اتساقاً مع مواقفي السابقة... أما الآن تحت شعار تطهير القضاء وإصدار قانون جديد للسلطة القضائية، أجمع مؤيدوك على طلب إقالتي تحقيقاً لأهدافهم وتحقيقاً للتوافق. وآن الأوان لتحقيق أمنيتي في إزاحة هذا العبء عن كاهلي، وأناشدكم الاستجابة فور الاطلاع على هذه الاستقالة بالموافقة عليها». وبدا أن رغبة «الإخوان المسلمين» الجامحة في تمرير القانون ستمر بعقبات عدة لكنها قد لا توقفه، فمن جهة يرفض القضاة المشروع بل إنهم لوحوا بالعودة إلى تعليق العمل في المحاكم والامتناع عن الإشراف على الاستحقاق التشريعي المتوقع في أيلول (سبتمبر) المقبل. واكتسبت احتجاجات القضاة أمس زخماً بعد تقديم وزير العدل استقالته. كما أن الإصرار على تمرير القانون سيواجه بمعارضة داخل مجلس الشورى، لا سيما أن حزب «النور» السلفي ثاني أكبر الكتل في المجلس يتجه إلى الانضمام إلى صفوف الأحزاب المعارضة الرافضة ل «مذبحة القضاة»، وإن كان انضمامه لن يمنع «الإخوان» من استخدام غالبيتهم النيابية في تمرير المشروع. وقال مرسي في مقابلة تلفزيونية أذيعت مساء أول من أمس في معرض تعليقه على تظاهرات الجمعة الماضي التي نظمتها جماعته ورفعت شعار «تطهير القضاء»، إن «القضاء كان جزءاً من الثورة وأدى دوراً يُذكر في هذا الإطار ومنها المنع والتصدي لتزوير الانتخابات في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك... لكن هناك قلقاً لدى الناس من الأحكام التي تصدر أحياناً ولا يكون واضحاً فيها بُعد العدل بالشكل الذي يرتضيه الناس». وطالب بضرورة «فصل السلطات، وأن تتولى الهيئات الرقابية في القضاء محاسبة من يخالف القانون». وحين سئل حول رؤيته لمناقشة مجلس الشورى مشروع قانون السلطة القضائية نفى تدخله في أعمال المجلس، قائلاً: «إذا رأى نواب الشورى ضرورة في تمرير القانون فالأمر بأيديهم». وتبدأ اللجنة التشريعية في مجلس الشورى الذي يمتلك السلطة التشريعية موقتاً مناقشة مشروع القانون الذي قدمه حزب «الوسط» الإسلامي القريب من الحكم. ودافع عضو الهيئة العليا للحزب النائب محمد يوسف عن القانون المقترح، معتبراً أن «قانون السلطة القضائية ضمن سلسلة من القوانين الواجب تعديلها لتتوافق مع الدستور الجديد للبلاد». وقال إن «مشروع القانون يعالج مشكلة تعيين النائب العام في ظل وجود تعارض بين قانون السلطة القضائية والدستور، وسيقصي النائب العام الحالي طلعت عبدالله نفسه». وأضاف: «لا نقصد الإطاحة بأحد بعينه، والأمر بعيد كل البعد من التطهير أو المذبحة كما تردد، بل نعتمد قاعدة عامة ومجردة للاصلاح تعتمد على المساواة». لكن النائب عن «الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي» إيهاب الخراط أكد ل «الحياة» عزم نواب المعارضة في المجلس تقديم تعديل على مشروع قانون السلطة القضائية بخلاف المشروع الذي تقدم به حزب «الوسط»، موضحاً أن الاقتراح الذي سيقدمه نواب المعارضة «يتضمن تثبيت سن تقاعد القضاة عند سن السبعين عاماً، إضافة إلى نقل تبعية التفتيش القضائي من وزير العدل إلى مجلس القضاء الأعلى مع تمكين مجلس القضاء الأعلى من محاسبة المخطئين من القضاة بآليات جديدة». وانتقد مشروع «الوسط»، معتبراً أنه «لا صلة له بما تحتاجه السلطة القضائية من تطوير»، كما انتقد الإصرار على خفض سن تقاعد القضاة إلى 60 عاماً. وقال إن «القضاة ليسوا موظفي دولة ولا سائقي حافلات عامة. الهدف من هذا التعديل ليس تطوير القضاء وإنما التخلص من شيوخ القضاة ظناً منهم أن شباب القضاة سيتعاطفون مع السلطة الحاكمة». وعُلم أن اجتماعات جرت أمس بين نواب أحزاب المعارضة وممثلي حزب «النور» السلفي في الشورى للبحث في تنسيق المواقف لرفض مشروع القانون. لكن نائب رئيس «النور» مصطفى خليفة أكد ل «الحياة» أن «موقف الحزب لم يتخذ بعد، وسنجتمع لاتخاذ القرار المناسب». وكان رئيس «النور» يونس مخيون انتقد «مخالفة الرئاسة لما تم الاتفاق عليه في جلسات الحوار الوطني في شأن عدم اللجوء إلى الشورى إلا لتمرير القوانين الضرورية»، مستنكراً «إصرار الحزب الحاكم على تمرير حزمة من القوانين من دون توافق، ومن بينها قانون السلطة القضائية». وأعربت حركة «كفاية» عن «قلقها البالغ لما آلت إليه الأمور من تغول السلطة الحاكمة وجماعة الإخوان ومحاولتها فرض هيمنتها وسيطرتها على مؤسسات الدولة كافة وسلطاتها التشريعية والقضائية». ودانت في بيان أمس «ما يتعرض له القضاة من تهديدات بمحاصرة منازلهم والمحاكم وتجميد عمل المجلس الأعلى للقضاء»، داعية المصريين إلى «الخروج في مليونية للدفاع عن القضاة واستقلالهم الجمعة المقبل في ميدان التحرير وميادين مصر». ويعقد نادي قضاة مصر مؤتمراً صحافياً مساء اليوم لعرض «تفاصيل ما يتعرض له القضاء والقضاة من هجمة منظمة ومحاولات المساس بالسلطة القضائية والانتقاص من السلطات المقررة لها، واقتراحات نادي القضاة في مواجهة تلك الأزمة». ويتحدث في المؤتمر رئيس النادي أحمد الزند وعدد من قيادات الهيئات القضائية المختلفة. وكان مجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة برئاسة حمدي ياسين وصف تظاهرات «جمعة تطهير القضاء» بأنها «انطوت على إرهاب وتجريح وإهانة للقضاء والقضاة أصاب جموع قضاة مصر بالصدمة والألم»، محذراً من «مغبة أية محاولات لتكرار مذابح قضائية بإقصاء القضاة عبر خفض سن التقاعد المقرر لهم، وهو ما يمثل عدواناً صريحاً ضدهم باعتبار أن من في الخدمة استقرت مراكزهم القانونية».