لقد كان الناس قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يعيشون في ظلام دامس ونظم فاسدة وعقائد محرفة ، فبدل الله تعالى ببعثة نبيه عليه الصلاة والسلام ظلام الحياة ضياءً ونوراً ، وجهل الناس ثقافة وعلماً ، فارتقى المجتمع الإسلامي إلى حضارة مهذبة متجانسة تجمع بين الروح والمادة ، والأصالة والإبداع ، والدين والدنيا والآخرة ، ضمن منظومة رائعة من المبادئ والقيم والمثل التي تضمحل معها كل الفروق الاجتماعية المستندة على الحسب والنسب والجاه والمال ، أو التي تقوم على التعصب والأفكار الجاهلية التي تفضل جنساً على جنس ، فالمؤمنون إخوة ، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى . بهذه الخصائص الإسلامية الرائعة ، وبهذه المساواة التامة بين الناس تميزت الحضارة الإسلامية عن غيرها من الحضارات ، وحصن الإسلام إتباعه ضد الانقسامات العرقية والفروق الطبقية التي تعاني منها كثير من شعوب العالم قديماً وحديثاً ، يقول الكاتب المنصف ( جب ) في كتابه مع الإسلام ( ليس هناك أية هيئة سوى الإسلام يمكن أن تنجح مثله نجاحاً باهراً في تأليف هذه الأجناس البشرية المتنافرة في جهة واحدة أساسها المساواة ، وإذا وضعت منازعات دول الشرق والغرب العظمى فلا بد من الالتجاء للإسلام لحسم النزاع ) . إنها الحقيقة المشرقة التي سطعت من شمس الرسالة النبوية الشريفة ، وجدير من بكل مسلم أن يفخر بها وأن يعتز بانتمائه لمنهج العبودية الخالصة لرب العالمين ، وأن يتواضع لإخوانه وأن يترفق بمن حوله ، فالمجتمع لن يكون قوياً متماسكاً في بنائه إلا عندما يلتقي أفراده وتجتمع قلوبهم على مائدة الألفة والمحبة والمساواة ، فيصدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ). * عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمستشار القانوني بجامعة أم القرى