لكي أزيل عنك أيُّها القارئ الكريم ضبابية العنوان، فأنا لا أتحدّث هنا عن تجربتي الشخصية، بل يدور الحديث حول عدد من المنشدين (الجدد)، والذين صنعوا لأنفسهم نجومية مطلقة، ومتابعة كبيرة على صفحات التواصل الاجتماعي وخاصة (تويتر). وحقيقة يوجد عدد كبير منهم لا تعود نجوميتهم إلى تلك الموهبة الصوتية الفذة، والقدرة العجيبة على امتلاك المسرح بأداء جذاب، ولا بتلك المواويل القوية التي تهز القلوب، ولا بأهم مقومات الفن وهي الكلمة والرسالة الراقية، بل هذه النجومية تكمن في كاريزما شخصية يملكها تجذب المتلقي قد ينجح معها هذا الشخص في أي مجال جماهيري يطرقه. وحينما يلتقي هذا المنشد مع جمهوره تجده ينشد على المسرح بطريقة (البلاي باك)، ويتمايل مع الأداء، وبتفاعل إبداعي متقن وتظهر عليه علامات الجهد وهو لم يتكلم بكلمة واحدة، ولم يسمع سوى صوت ضميره الداخلي الذي يقول: (الحمد لله أني لا أؤدّي هذا العمل مباشرة)، وبعضهم يتمادى قليلاً ويصدح بموال عارض، فيظهر ما ستره الله من نشازات تجاوزت حدود المعقول، فيفسد ما حاول مهندس الصوت ترميمه وقت التسجيل، وللأسف هناك من الأسماء الكبيرة في مجال النشيد ينطبق عليهم هذا الامر، ولكي نخرج من قضية اختلاف الأذواق فمن أعنيهم هنا لا تتوافر لديهم الموهبة في الأساس لكي يختلف حولهم المتلقون ما بين معجب وغير معجب. حتى أنني أتذكر جيدًا ذلك المنشد -المعروف- في أحد المهرجانات الذي أتاني بتسجيل لنشيد صالح للعرض، وكان أداؤه جيدًا في النشيد، وقال إنه سينشد على طريقة البلاي باك، وقبل العرض تفاجأت بأن المنشد تفاعل مع الحضور الكبير وأراد أن يقدم نشيده بموال عراقي إكرامًا للحضور. وليته لم يقله لأني منذ تلك اللحظة وأنا أضحك بمجرد أن أسمع اللون العراقي، فأدخلني في حالة من اللاتوازن بأدائه (الساحر) الذي سحرنا بأن أخرج كل الحضور من أجواء المهرجان الإنشادي إلى أجواء مشابهة لأجواء المسرح الكوميدي. هذه التجربة وغيرها كوّنت لديّ فكرة ثابتة وهي عند الأداء المباشر يبدع المنشد أو (يطامر)، وما أكثر (المطامرين) في الإنشاد، والعجيب بأن الكثير من هؤلاء -وهذا ما دعاني للكتابة- يتنصلون من كلمة منشد، ويعرّف نفسه بأنه الفنان فلان، ولديه حساسية من كلمة (منشد)! وكأنك قد انتقصت من قدره على الرغم من أن لفظة (منشد) هي أقرب مصطلح لما يقوم به لارتباطه بإنشاد الشعر. خلاصة القول: سمِّ نفسك بما تريد (منشد، أو فنان، أو موسيقار) أنت حر في الطريقة التي تقدّم بها نفسك، ولكن أرنا ما يدل بالفعل بأنك صاحب موهبة تستحق التقدير، وتمتلك صوتًا جميلاً يأسرنا بعربه وعذوبته، وبما يحمله من رسالة سامية، وإذا لم تكن ذلك الرجل فلماذا تعاقب إخوتك وتفسد عليهم حياتهم؟