نعيش كلّ يوم عشرات المشاهد المؤلمة التي يؤدّي فيها التخاذل دورا رئيسا، على مستويات متعدّدة: على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الجماعات، وعلى مستوى الدول، وعلى مستوى الأمة كلّها!!! والمؤلم في الأمر أن هذا يحدث رغم توجيهات ديننا الكثيرة نحو الاتحاد والتعاون والتناصر! هذه السلوكيات والأخلاق لا يكاد يقوم بها في هذا الزمن إلا القليل. رغم أنّ كلا منا يحتاج إليها، فالسعي نحو القيام بحاجات الآخرين حين يحيط بهم مكروه، وينزل عليهم بلاء أمر لا يمكن لأحد أن ينكر حاجته إليه. وأهمّيته في حياته. فعن عبداللّه بن عمر -رضي اللّه عنهما- أخبر أنّ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج اللّه عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره اللّه يوم القيامة، لكننا اليوم نعيش أحداثاً ومشاهد غلب عليها التخاذل لا التناصر، وسادت فيها الشماتة لا الإغاثة، وأصبح عنوان كلّ شخص (نفسي.. نفسي) فلا صلة له بأخيه، ولا حق له عليه. فكم من مسكين ضاقت به الحال يتعامى عنه الناس! وكم من قليل الحيلة حُبست أوراقه ومصالحه لا يعرف سبيلاً لأخذ حقه! وكم من عامل أخّرت أجرته وأكل حقه، ولا يجد من يسمع صوته. وغيرها من الصور والأحداث التي تركنا فيها مناصرة الآخرين ومعاونتهم. ولا أدري أهذا بسبب قسوة القلوب، أم بعدها عن الدين، أم جهلها بتوجيهات الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم الذي قال: «ما من امرئ يخذل مسلما في موطن يُنْتَقَصُ فيه من عرضه، ويُنْتَهَكُ فيه من حرمته، إلّا خذله اللّه في موطن يحبّ فيه نصرته»!! وقال: «مَن أُذلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على أن ينصره أذلّه اللّه- عزّ وجلّ- على رؤوس الخلائق يوم القيامة». ومع ذلك سادت أخلاق وسلوكيات لا نعرف السبب الحقيقي وراء تفشّيها.. إذ أصبح منهج البعض: إذا جاءني حقي فحقوق الناس لا تمسّني، وإذا كنت غنياً ففقر الناس وجوعهم لا يهمني!!! وقد يظنّ البعض أن مناصرة الآخرين لها صورة واحدة فقط وهي الاندفاع نحو الشجار والقتال، والمشاكل. بينما هناك صور عديدة منها ما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، قالوا: يا رسول اللّه! هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تأخذ فوق يديه». فمن نصرة أخيك أن تكفّه عن المظالم، وتمنعه عن المآثم. إننا في زمن كثرت فيه مشاهد التخاذل وتضييع حقوق الناس بعدم نصرتهم. وهذا يدلّ على نقص في المروءة، ومرض في القلوب!! يعرّضنا لبغض اللّه تعالى لنا، وما تسلّط الظالمين وتتابع الأزمات علينا، إلا لما فينا من تخاذل محزن. وتفكّك مؤلم. إننا بحاجة لأن نعيد النظر في محاسبة أنفسنا وأخلاقنا. وأن نعرف ونعترف أن تردّي حالنا سببه تردّي أخلاقنا. [email protected]