مفارقة عجيبة أن يبحث الرجل عن لقمة العيش ليسد بها رمقه ورمق أولاده وزوجته ثم تجده بعد ذلك يبخل بها عليهم، ويقتر نفقاته لهم. فلماذا البخل على الأزواج والأولاد؟ وما تأثير ذلك على تماسك الأسرة؟ وهل يواجه الأزواج بخلًا عاطفيًا من قبل زوجاتهم؟ وكيف يتمكنان (الزوج والزوجة) من حل إشكالية البخل بكل أنواعه وأشكاله؟ (الرسالة) ناقشت الموضوع مع عدد من المختصين والخبراء في سياق الاستطلاع التالي: بداية بينّ المستشار النفسي د. حاتم الغامدي أن البخل صفة ذميمة استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع عديدة، وأضاف الغامدي أن البخل صفة يكرهها جميع البشر، وهو ليس مقتصرًا على البخل المادي فقط بل هناك البخل في النواحي العاطفية والمشاعر، بحيث يصبح الإنسان متمحورًا على نفسه، ولا يُبدي أي اهتمام بالطرف الآخر. ويشير الغامدي إلى أن البخل إن اجتمع في أحد الزوجين فإن ذلك يؤثر على علاقته بالآخر؛ لأن الطرف البخيل أناني ويتمركز حول نفسه ويهمش الآخرين ويتجاهلهم، لذلك لا بد أن يكون هناك تأثير مباشر أو غير مباشر على علاقته بالطرف الآخر، وأضاف الغامدي أن التأثير قد يمتد إلى تربية الأبناء من خلال عدم الاهتمام بهم أو عدم التعبير بالعاطفة نحوهم. اضطراب شخصية ويشير الغامدي إلى أن البخل فعل يؤدي إلى اضطراب في الشخصية، وعدم التعبير عن المشاعر بصيغة اجتماعية أو بشكل من أشكال الذكاء العاطفي، وهنا يحتاج الشخص الذي يعاني من هذه المشكلة إلى وعي من الطرف الآخر من خلال إخباره بأن لديه بخلا سواء في النواحي المادية أو العاطفية، مما يمكنه من الانتباه له ويمكن الآخرين من مساعدته لتخطي مثل هذه المشكلة، مضيفًا أنه يمكن مساعدته من قبل متخصص لينقله من حالة الحرص الزائد إلى الحالة الاعتيادية، ويتعلم معها الذكاء العاطفي الذي من خلاله يحظى بعلاقات جيدة مع الناس. وأكد الغامدي أنه في حالة عدم إدراك الإنسان البخيل للمشكلة لديه فإنه يصبح غير مهتم وغير مكترث بها. وأوضح الغامدي أنه إذا كانت صفة البخل في المرأة فيجب على الطرف الآخر التصرف الحسن والجيد، ومحاولة مساعدتها للتخلص من هذه الخصلة بطريقة أو بأخرى، مع إمكانية أن يلجأ الزوجان إلى شخص قريب من أجل مساعدتهما لحل هذه المشكلة أو اللجوء إلى اختصاصي. بخل الرجال في حين انتقد المستشار النفسي د. خالد باحاذق الرجال الذين يبخلون بمشاعرهم أو بالمادة، وأكد أن البخل يقع في الغالب من الرجال وليس من النساء، وقال باحاذق إن أسوأ البخل في المشاعر؛ فالبخل في المشاعر هو الأساس، كما أن الواقع يقول إن حب المرأة للمال ليس مثل حب الرجل؛ فالرجل يحب الذهب والفضة وهذا معروف عبر التاريخ؛ فملكة سبأ عندما وجدت من يقدم لها المشاعر وهو سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام تخلت عن العرش بكامله في سبيل الحصول على المشاعر التي تريدها، موضحًا أنه في حالة غياب المشاعر بين الزوجين فإن المرأة تلجأ عن تعويض ذلك من خلال الماديات أو الخروج المتكرر من البيت، مشيرًا إلى أن مشكلة أغلب الذكور -ولا أسميهم رجال- أنهم يكرمون المرأة في بداية الزواج ولكن ما إن يحصل الزواج وتصبح زوجته عنده فإنه يبدأ يتعامل معها برتابة وروتين وبدون اهتمام أو تصريح بمشاعره. وأضاف باحاذق أن علم النفس "الأصل" يؤكد أن المرأة أذكى من الرجل وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :" ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن" فالرجال مهما كان عندهم من حزم فإن المرأة تغلب الرجل، فإذا كان بخيلًا في مشاعره فيمكن للمرأة أن تلعب معه لعبة جميلة وهي تصيّد الحسنات لا تصيّد السيئات؛ فإن كان بخيلًا وصرف مبلغا بسيطا فعلى المرأة أن تمتدحه لأن الرجل يبحث عن المدح، وكذلك تتدرج معه في الحصول على المطلوب. القرب النفسي فيما شدّد المشرف العام على شبكة السبر د.سعد السبر على أن القرب المادي مهم وخاصة في العلاقات الزوجية؛ فقال: "لاشك أن الزوجين مأموران أن يكون كل منهما لصيقا بالثاني من خلال مشاعره وأموره المادية والمعنوية، كما قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة..."؛ فالمودة بين الزوجين تقتضي القرب التام بينهما سواء كان ماديًا أو معنويًا؛ فالمعنوي يدخل فيه المشاعر والإحساس والعاطفة، والمادي بأن نكون كالمجتمع المسلم؛ فقد صور لنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله :" مثل المسلمون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد "؛ فإن كان المجتمع يجب أن يكون كالجسد الواحد فإن الزوجين أولى بذلك. وأكد السبر أن البخل العاطفي يؤدي إلى وجود فراغ عاطفي ومعنوي؛ فكل زوج أصبح له مجاله، وكل طرف أصبح يشتكي من الجفاف العاطفي خاصة بعد الانفتاح. وأشار السبر إلى أن هناك شكاوى من الأزواج تتعلق بنقص المشاعر والعواطف من قبل زوجاتهم؛ مشيرًا إلى أن المشاعر ليست قضايا جسدية فقط وإنما تتعلق بقضايا وجدانية؛ فالمتع الجسدية لا بد أن تصاحبها عواطف ومشاعر بين الزوجين. وعبر السبر عن أن جفاف المشاعر قد يؤدي إلى البحث عن بدائل من خلال الرفيقات أو غيره، كما أن البخل المادي قد يجعل الزوجة تسرق أو تكون علاقات من أجل الحصول على المال إن كان زوجها بخيلا. وأوضح السبر أنه لعلاج هذه الإشكالية لا بد من تثقيف المجتمع بأن الزوجة ليست المسؤولة عن الحياة الزوجية وحدها وأن المسؤولية المالية على الرجل.