(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) نحنُ الذين استيقظتْ بأذانهم دنيا الخليقةِ من تهاويلِ الكرى حتى هوت صور المعابد سجدًا بجلال من خلق الوجود وصوّرا أنا أحب العولمة لأبلغ رسالتي للعالمين، وأبعث دعوتي للخافقين، وأنشر ديني للناس أجمعين، وأقدم بطاقة ((لا إله إلا الله)) في مهرجان الحياة، وأعرض ميراثي في سوق البشرية، وأخبرهم بقصة الغار والكعبة وزمزم. وأنا لا أريد العولمة هيمنة لغير المسلمين، وسوطًا في يد الظالمين، ونافذة للمُلحدين، وقتلًا للأبرياء، ونكرانًا للحقيقة، وجحودًا للميثاق. وأنا أحب العولمة نتاج حضارات وثمار اختراعات، وخلاصة اكتشافات، وجهود دراسات، أرحب بها جامعة ومستشفى وصيدلية وشركة وعقاقير وغذاء وكساء ودواء. لا أريد العولمة دعاية للفاتنات، وشاشة للساقطات، ومسرحًا للمنكرات، وخشبة للراقصات، وإعلانًا للمخالفات والكُفريات والمُغريات. أريد العولمة ليسمعوا كلامنا، ويعرفوا إسلامنا، ويتبعوا إمامنا، لا نريد العولمة عصًا في يد الجبروت، ليُبعد الطاغوت، وتهدم البيوت، ويخطف بها الاغنياء من الفقراء القوت. نريد العولمة فرصة للحوار، لنسمعهم كلام الغفار، وحديث المختار، ورسائل العلماء الأبرار، وهم يريدون العولمة لا حدود ولا قيود ولا بنود ولا عهود ولا شهود. يريدون عولمة بلا ديانة ولا أمانة ولا صيانة ولا رزانة، عولمتهم شاشة لاقطة، وكلمة هابطة، وأغنية ساقطة. نحن نريد العولمة لتحدثنا عن السماوات والمجرّات والمحيطات، والآيات البينات والحِكَم والعظات لتدلنا على الواحد الأحد منزل البراهين الباهرات. حرام أن يقتل الكبار الصغار، برصاص اليورو والدولار. لا نريد عولمة العميان التي ترسل كالبركان وكأن شيئًا ما كان، وكأن الأرض ليس بها سكان غير الأمريكان. عندهم العولمة أن يشبع اليونان واليابان والطليان، ولو مات من الجوع أطفال الصومال، وعجائز السنغال، وتوسد البسطاء الرمال، يريدون إدخال الفقراء منظمة القات، ليأكلوا هم القوت ولغيرهم الفتات، فهم أحياء وسواهم أموات. لا نريد عولمة الرفق بالكلاب، والرحمة بالقطط والذئاب، وصرخات اليتامى في الأكوان تسد الآذان. وآهات الأطفال في العالم تملأ الأكوان. عولمة ترفع قضية على رجل دعس كلبًا بغير قصد ولا نية، وتبيد البشرية بالقنابل الذرية. لا نريد عولمة عندها الجهاد إرهاب، وعلماء المسلمين أجلاف أعراب، وعندها احتلال اسرائيل شرعي، ودفاع المسلمين عن أرضهم بدعي. عولمة حملت الأقوياء على الضعفاء، والأغنياء على الفقراء، فالقائم سدحوه، والقاعد بطحوه، والكادح كدحوه، والحي ذبحوه، والدم سفحوه، والفقير رمحوه، والمسكين مسحوه. نريد عولمة بالإيمان، والقرآن، وطاعة الرحمن، ومحاربة الطغيان، نريد عولمة ترفع الحيف، وتكرم الضيف، وتغمد السيف، وتعطي الرغيف الضعيف، وتحافظ على الخلق الشريف، والأدب اللطيف، والسلوك العفيف. نريد عولمة تحترم المساجد، وتحافظ على كل عابد زاهد، وتعلن أن الله واحد. نحن لا نحارب العولمة إلا إذا حاربت ربّ العالمين، وأقصت الدين، وأهملت المرسلين، وأهانت المؤمنين، وشطبت من قاموسها (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لابأس أن نسكن القصر، ومعنا سورة العصر، وأن نركب الطائرة ووجوهنا بالإيمان ناضرة. أيها العالم الذي حارب الله بعود وشاشة وربابة أنت يا كون في موازين ربي لا تساوي لو عظمت ذبابة آمنت بالعولمة دعوة ربانية، ورسالة سماوية، وآدابًا نبوية، وأخلاقًا مرضيّة، وصفات علية، وكفرت بالعولمة يوم تدعو للإلحاد، وتنشر الفساد. وتظلم العباد، وتخرّب البلاد، وترفع شعار الهيمنة والعناد، وكفرت بها إذا دعت إلى الرذيلة، وأهملت الفضيلة، وكانت للاستعمار وسيلة، وللقهر حيلة. الياباني يئنّ, وعلى التليفون يرنّ, ليرفع سعر الينّ. الأمريكي له خوار, ينقب في الآثار ليسيطر على الأقطار, ويستعمر الديار ويهيمن الدولار. وقد عرفوا العولمة بتعريفات، أنقل بعضها عن الخواجات. فقال بيتر ويلتسون: "العولمة هي أن تصبح الدنيا الكبيرة قرية صغيرة". وقال جوزيف آدمز: هي أن نجلس كلنا في غرفة واحدة -يقصد العالم كله. وقال جورج ويليم: العولمة هي ألا تعيش وحدك؛ بل يعيش العالم معك. وقال محرر صحيفة الواشنطن بوست: "العولمة هي احتلال لأكبر بقعة في العالم، لكن بدون سلاح". وقال هنري كيسنجر: "العولمة لعبة لا يُجيدها إلا الكبار، أما الصغار فسوف يُجروّن للميدان بقوة". نكفر بالعولمة إذا حولت المساجد إلى بارات، والجوامع إلى حانات، والمجالس إلى مراقص، والمصحف إلى مجلة، والحشمة إلى عهر، والدين إلى رجعية. نعم نريد صعود القمر لنتلوا عليه (اقتربت الساعة وانشق القمر)، ونريد اختراق الآفاق لنقرأ: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ)، نقبل العولمة إذا رفعت ((لا إله إلا الله))، وقدّست الوحي، ووقرت الرسالة، وعظمت الملة، واحترمت المسجد، ودعت إلى الطهر. ونرفض العولمة إذا كفرت بالله، وهدمت المنارة، وألغت الصلاة، وذمت القيم، وتمردت على الدين، وداست الأخلاق. أنا مع الأبيض والأحمر والأسود والأشقر، إذا رفعوا لافتة ((لا حول ولا قوة إلا بالله)). وأنا عدوهم إذا نادوا لا رسالة ولا رسول ولا كعبة ولا مصحف ولا محمد ولا جبريل. أنا عالمي والدليل (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وإخواني بلال الحبشي وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي، لأنني وإياهم من معين الوحي واستقبلنا القبلة وحفظنا الفاتحة. وأنا أبغض أبا لهب الهاشمي، وأبا جهل المخزومي، وأمية بن خلف القرشي، لأنهم حاربوا الله، وأطاعوا الشيطان، وسجدوا للوثن، ودخلوا حظيرة الكفر. إن عولمة الأغبياء مرفوضة، وهي التي تمنح الامتياز للأبيض، وتدعو لحفظ كرامة الكلب، وتنادي بالرفق بالقطط، وتتبرأ من الأسود، وتطرف الفقراء، وتدوس على المستضعفين. نريد عولمة مفتاحها من الكعبة, ووسامها من غار حراء, ونشيدها من بدر, وتعاليمها من السماء, تُبنى على العدل وتؤسس على الحق وتنادي بالفضيلة, وتحبّذ الطهر, وتنهى عن الظلم, وتأبى الجور. إن الأرض لله وليست لماركس ولا لينين ولا إستالين ولا ماوسي تنق ولا جورج واشنطن ولا ديقول. إن العالم في قبضة الله وليس ملكًا لحف الناتو ولا قاعدة للبنتاجون ولا مكتبًا للكرملن. إن القرارات المصيرية تصدر من قاعدة (كُنْ فَيَكُونُ) وليس من مجلس الكنجرس ولا من مجلس العموم واللوردات, ولا من مجلس الأمن (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). إن الكون مذعن لخالقه وليس لطغاة البشر وسفاكي العالم وجلادي الناس (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ). إن مصانع العولمة لن تنتج ذبابًا واحدًا, إن خبراء الدنيا لا يخلقون بعوضة, وإن عباقرة الإختراع لن يصّدروا نملة (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ). نريد عولمة تصنع سيارة لا دبابة وقاطرة لا قنبلة وثلاجة لا صاروخ وتقدم وسائل الحياة لا أدوات الموت. لقد امتلأ العالم موتًا ودمارًا وجورًا وبشاعة, نريد عالمًا يملؤه الإيمان والعدل والسلام والإحسان. نريد عالمًا يُنتج قلمًا ودفترًا وماسة وطبشورة ولا نريد عالمًا يزرع لغمًا وبارودًا وقاذفة ومجنزرة. إن العالم بحاجة إلى لقمة من الخبز وجرعة الماء وقطرة الدواء وليس بحاجة إلى مادة (تي إن تي) وإلى غاز الأعصاب والخردل. لا نريد عالم هتلر وموسولين ونبقورين وسلودبين ملوسفتش وبرجنيف ويلتسن. بل نريد عالم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام (أُوْلَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ). نريد عالمية مكة حيث الوحي, والمدنية حيث الرسالة, والقدس حيث الإسراء والمعراج وطور سيناء ديار الكليم. ولا نريد عالمية هوروشيما حيث الدمار, ولا نجزاكي حيث الفناء ولا فيتنام حيث الموت. لماذا تُقَدِّم العولمة دفاتر ديكارت وبيكن وسارتر وإنشتاين ونيوتن؟ ولماذا ترفض قائمة صلاح الدين ومحمد الفاتح وابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب؟ (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ). رسالتنا عالمية للجن والإنس. ورسولنا عالمي للأبيض والأسود. وقرآننا عالمي للثقلين. وإسلامنا للناس كافة. وقبلتنا للدنيا جميعًا. فنحن الناس ولنا الزمان والمكان وعندنا القرآن وإلهنا الرحمن. ونحن بعثنا للإنس والجان (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان). (فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا), يريدون عولمة تفصل الأرض عن السماء, والدنيا والآخرة, والدين عن الحياة, والمسجد عن المصنع والروح عن الجسد وهذه جناية كبرى وخطيئة عظمى. يا من صعد إلى الكواكب أما سألت نفسك من الذي كوكبها, ويا من وصل النجوم أما ناداك قلبك من الذي ركبها. (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ). أيها الغرب نحن الشرق حيث صلى الأنبياء, وتهجّد المرسلون, وسبّح الخليل, واخرج موسى يده بيضاء وتكلم عيسى في المهد, ووصل محمد سدرة المنتهى, وبكى عمر وأعتق سلمان وأذّن بلال, وغرق فرعون, وخسف بقارون, وسحق النمرود. فهل عرفتمونا الآن؟