توافدت جموع من حجاج بيت الله الحرام منذ وقت مبكر اليوم إلى مسجد نمرة لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعا وقصرا اقتداء بسنة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم والاستماع لخطبة عرفة. وقد امتلأت جنبات المسجد الذي تبلغ مساحته / 110 / آلاف متر مربع والساحات المحيطة به التي تبلغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع بضيوف الرحمن. وتقدم المصلين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكةالمكرمة رئيس لجنة الحج المركزية ، فيما أم المصلين سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله آل الشيخ بعد أن ألقى خطبة عرفة - قبل الصلاة - التي استهلها بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر. ودعا سماحته في الخطبة الناس إلى تقوى الله في السر والعلن وتوحيده وإقامة أركانه والتمسك بنهج الله القويم واتباع سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فى جميع أعمالهم وأقوالهم . وبين فضيلته أن لله سبحانه وتعالى على الإنسان نعما عظيمة حيث خلقهم في أحسن تقويم مستدلا بقوله تعالى / لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ / وميزه عن الحيوان بالعقل والإدراك / وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً / ومن عليه بالهداية والأيمان كما قال الله جل وعلا في كتابه / يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ / . وقال سماحته إن الله جعل هذه الأمة من الأمة المستجيبين له المصدقين برسالة أنبيائه ورسله وشرفنا باتباع خاتم الأنبياء والمرسلين وشرفنا بالإسلام ورفعنا عن مستوى الهوام إلى المستوى الائق بالانسان ونزهنا عن مشابهة الحيوان ، كما ذكره في كتابه الكريم / أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا / . وأشار سماحة مفتي عام المملكة إلى أن الله خلق هذا الخلق لحكمة عظيمة وغاية نبيلة بعيدا عن اللهو والعبث والباطل مستدلا بقوله تعالى / َ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ / وأن الله خلق الثقلين الجن والإنس لحكمة بينها كذلك في كتابه حيث قال عز وجل / وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ / . وبين سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الدنيا دار إبتلاء وإمتحان ليرى الصادق من الكاذب وأمده بالحواس وزوده بالفطرة والعقل ليميز الخير من الشر ، وهداه النجدين ومكنه من سلوك طريق الفلاح والهدى أو الشر والظلال مستدلا بقوله تعالى / وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا / وأكد سماحته أن الله لم يهمل الله هذا الإنسان إلى رأيه والشيطان بل أرسل الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليعلموا الحق من الباطل والرشاد من الفساد والهدى من الضلال لأن لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وتوالت دعوة الأنبياء كلهم يدعون إلى توحيد الله وإخلاص الدين له ويحذرون من الشرك . وقال " إن كل نبي يبعث إلى قومه بالشريعة الخاصة ، حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة العامة الشاملة الكاملة للثقلين الجن والإنس ، مستدلا بقوله عز وجل / وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ /. وأوضح سماحته أن الله جعل الشريعة شريعة كاملة شاملة عامة لكل ميادين الحياة الفردية والجماعية ، وجعلها عامة تمد الإنسان وتلبي حاجة الفرد الروحية والعقلية والجسدية صالحة لجميع الأزمان ولكل المجتمعات . وقال سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء " إن أول أبواب هذا الدين هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والقضاء والقدر والبعث بعد الموت " . وبين أن للعقيدة الإسلامية خصائص منها أنها مبنية على توحيد الله في ربوبيته وإلوهيته وأسماءه وصفاته ، وقال " إن الله أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ، ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من آله ، وهو السميع البصير ، المحيي المميت ، الرزاق العليم ، المعز المذل ذو الجبروت والملكوت وواحد في إلوهيته ، ويجب أن تصرف جميع أنواع العبادة من الدعاء والاستغاثة والالتجاء والاضطرار إلى رب العالمين فهو المالك لذلك كله وله الأسماء الحسنى والصفات العلى اللائقة بجلاله ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ، نثبتها كما جاء بها الكتاب والسنة ونثبت حقيقتها على ما يليق بجلال الله وعظمته " . وتحدث سماحة المفتي عن خصائص العقيدة الإسلامية قائلا " من خصائص هذه العقيدة أن تفاصيلها تؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهي معصومة من الخطأ بعيدة عن الشبهات فيجب قبولها كلها ولا تعرض للآراء والأهواء كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " ، ومن خصائصها الوضوح والبيان والظهور فالقضايا الأساسية واضحة كل الوضوح لمن تدبر فليس فيها تعقيد ولا غموض ولا فلسفة بل أدلتها واضحة من الكتاب والسنة واضحة المعاني بينت الألفاظ ، ومن خصائصها أنها تتفق مع الفطرة المستقيمة والعقل السليم فليس فيها ما يتنافى مع الفطرة المستقيمة التي فطر الله الناس عليها " . وأكد سماحته انه ليس في النقل الصحيح ما يختلف مع العقل الصحيح او يحيله ، حيث دعا القرآن " العقل " إلى التدبر والتفكر في آيات الله وعظم شأنه ، مشيرا إلى أن من خصائص الشريعة الإسلامية أنها عقيدة الوحدة والألفة والجماعة وتربط بين أتباعها برابطة الإيمان بعيدة عن اللون واللغة والإقليم . وأوضح فضيلة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أنه ما اجتمع المسلمون وعظم شأنهم إلا لما كانت العقيدة قوية في نفوسهم وما تفرقوا وما ضعفوا الا لما ضعف تمسكهم بهذه العقيدة السليمة ، مشيرا إلى أن الإسلام لم يقتصر على العقيدة وحدها ولا على الجانب النظري فحسب بل أضاف إلى العقيدة أحكاما عملية ووضع منهجاً للمسلم ليشمل العبادات والمعاملات والأسرة والجنايات والأخلاق والسلوك والاجتماع ،مفيدا أن من الأحكام العملية التي نهاجها الله للمسلم العبادات التي تنظم علاقة العبد بربه . وأبان سماحته أن هذه العبادات ما بين فرائض يجب أدائها عند استكمال شروطها وما بين نوافل العبد مخير فيها ولكن الشارع حث عليها لجبر النقص وتكميل الخلل ليكون من أدى الفرائض من المتقين ومن أدى الفرائض مع النوافل كان من الأبرار المقربين ونال محبة الله مشيرا إلى أن لهذه العبادات خصائصها وأنها توقيفية يعلم تفاصيلها من كتاب الله ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
وبين سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ أن من أتى بعبادة غير مشروعة فقد ابتدع في دين الله مستدلا بقول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " ، مشيرا إلى أن من خصائص العبادة تقريب العبد لربه فلا صلة له بدونها , وهي مبنية على الاتصال المباشر بالله مشدداً على عموم وجوبها واستمرارها على المكلفين ذكورا واناثا أغنياء وفقراء حكام ومحكومين إذا توفرت الاسباب والشروط . وقال " إن العبد مطالب بعبادة ربة ولا تسقط عنه مهما بلغ من علم وتجرد , فمن ادعئ انه هناك روحية أو نضج عقلي أو تزكية بلغ بها درجة تسقط عنه الواجبات الشرعية فقد أخطأ وولى سواء السبيل ولو كان هذا حقا لكان أولى الناس به محمد صلى الله علية وسلم // . وتحدث سماحة المفتي العام للمملكة عن أنواع من العبادة وبين أنها ما بين عبادة بدنية وما بين عبادة مالية وما بين ماجمع بينهما ، مؤكدا أن ذلك تيسير للمسلم لأدائها وتكثير مصادر الحسنات ورفع الدرجات ، مشيراً إلى أن من خصائص بعض الشعائر أنها ظاهرة معلنة مثل الصلاوات الخمس حيث يؤذن لها وتقام في الجمعة والجماعة وفي المساجد والزكاة ظاهرة والصوم معروف والحج بمشاعره وأوقاته الخاصة . وأشار إلى أن من خصائص هذه الشريعة رفع الحرج وأنها ميسرة على الإنسان كما قال سبحانه وتعالى ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها ) ، مؤكدا أنها ليست طقوس فارغه بل لها آثار إيجابية في إصلاح الفرد والجماعة في الاقوال والأخلاق والأعمال , وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وتشعر العبد بالسكينة والطمأنية وراحة النفس مستشهدا بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( أرحنا يابلال بالصلاة ) . قال " إن الأصل في المعاملات الحل الا ما دل الدليل على تحريمه ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) ، وأن النصوص جاءت بالمحافظة على المال واكتسابه بالطرق الشرعية من بيع وشراء وتجارة وصناعة وعملا باليد " ، مذكرا بما سأل عنه صلى الله عليه وسلم أي الكسب افضل قال عمل الرجل بيده . وأوضح سماحة مفتي عام المملكة أن الله سبحانه وتعالى نهى عن الإسراف بقوله ( وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) و نهى عن التبذير بقوله (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ) ومنع المسلم من أن يعطي المال لمن لا يحسن التصرف فيه بقوله (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) وأرشد إلى كتابة العقود خوفاً من النسيان بقوله (إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ). عقب ذلك تحدث فضيلته عن المعاملات الإسلامية وقال " إن للمعاملات الإسلامية خصائص ومن خصائصها أن المال بيد الإنسان وملكه الله إياها واستخلفه فيه ، فييجوز للمسلم التصرف في هذا المال من حيث التملك والإنفاق والتنمية بما يوافق شرع الله، وجعل الناس متفاوتين في أرزاقهم لحكمة أرادها كما قال في كتابه الكريم ( وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ) " مرجعا ذلك إلى اختلاف مواهبهم وقدراتهم وجهدهم في تحصيل المال وتنميته. وواصل سماحته حديثه عن المعاملات الإسلامية حيث بين أن من خصائصها أنها مبنية على دفع الضرر والغرض والجهالة وتحريم الربا وأكل أموال الناس بالباطل ، وأنها أسست للناس للأسس الأخلاقية من البيان والصدق والرحمة واللين ، مذكرا بقول رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام (البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا . فإن صدقا وبيَّنا: بورك لهما في بيعهما. وإن كذبا وكتما: محقت بركة بيعهما) وقوله عليه الصلاة والسلام ( رحم الله عبداً سمحاً إذا باع ، سمحاً إذا اشترى ، سمحاً إذا اقتضى) . وأشار سماحته إلى أن من خصائص المعاملات الإسلامية التوازن بين حاجة الفرد والمجتمع فلا يطغى بعضهم على بعض ، مبينا أن الإسلام سعى إلى إقامة مجتمع طاهر نزيه عفيف يقوم على ارتباط الرجل بالمرأة بالزواج الشرعي وبين علامات الأسرة بياناً واضحاً خوفا على الأسرة من التفكك والانحلال وعلى المجتمع من الانيهار والفساد ، وجعل لهذه الأسرة نظاماً خاصاً بعيداً عن أنظمة البشرية ونظاماً خاصاً بعيداً عن الأنظمة الوضعية وعن الديانات المحرفة ، وأن من خصائص هذه الأسرة أن الله جل وعلا جعله مبنياً على النكاح الشرعي بضوابطه الشرعية ". وأكد سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله آل الشيخ إن الإسلام لا يعترف بأي علاقة سرية قائمة على غير الشريعة مثل الزنا والشذوذ والتبني وجعل ذلك منافياً للديانات السماوية ومناقضاً للفطرة وللقيم والأخلاق ، مبينا أن من خصائص الأسرة أنها لحفظ النوع البشري وتكثير النسل وإرضاء الغريزة بالطريقة المشروعة . وبين سماحته أن الإسلام حث على إكثار التناسل عملا بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) مشيرا إلى أن الجيل الصالح تسعد به الأمة في دينها ودنياها . وقال " إن من خصائص الأسرة الرحمة والمودة والسكن بين الزوجين وأن ذلك لا يتم إلا في ظل أسرة مباركة تغرس المودة في قلوب الأبناء وارتباط بعضها ببعض ولا يتم كذلك إلا على الأسرة الشريفة التي قامت على المبادئ الشرعية ، وأن من الخصائص الأسرة التوازن والتعامل مع الغزيرة فلم يدعوا إلى كبتها ولا إلى التبتل ولا إطلاق العنان للشهوات بل أحاطها بسياج من الحياء والعفة ووضع نظاماً للاستمتاع بهذه الغريزة يكفل المسلم العفة والسلامة والنزاهة ومن خصائصها كذلك أن الله وزع الواجبات بين الزوجين الرجل والمرأة ، فالرجل له القوامة وعليه النفقة والمرأة أمور المنزل والتعاون مع زوجها في كل ما يسعد هذه الاسرة " مستدلا بقول الله سبحانه وتعالى ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) . إثر ذلك تحدث فضيلة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ عن العقوبات في الإسلام حيث أوضح إن الاسلام نظم العقوبات والزواجر وذلك نظرا لأن النفس أمارة بالسوء ميالة للهوى غير معصومة من المعاصي والآثام وقد سلك الشرع في ذلك الترغيب والترهيب لينهى المسلم عن الاجرام والفساد ، مستدركا بالقول " ولكن من عباد الله من لا ينفع معه الترغيب والترهيب وينتهك حرمات الله ويتعدى على حدود الله فجاءت العقوبة الشرعية حماية للمجتمع وقاية له وحفظا لدماء المسلمين وأموالهم وعقوبة لمن وقع فيها وكفارة لمن أقيم الحد فيها وزجراً لمن تسول له النفس الوقوع في الجريمة " . وتحدث سماحة المفتى في خطبته عن الوسطية في الإسلام وأشار إلى أن الدين الإسلامي دين الوسطية والاعتدال مستدلا بقول الله سبحانه وتعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) مبينا أن لهذه الوسطية معالمها ومظاهرها التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة ، وإن من معالمها التوسط بين الجفاء والغلو في باب الايمان بانبياء الله ورسله ، حيث دعت الشريعة الى الايمان بجميع انبياء الله ورسله استنادا على قول الله عز وجل / قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ / ، مشددا على أهمية معرفة قدر الرسل والأنبياء في عبادة ربهم وتبيلغ الرسالة حيث نهى عن الغلو فيهم كما غلا من قبلنا في انبيائهم وكذا من فرطوا فيهم وقتلوهم وكذبوهم . وبين سماحته أن من معالم الوسطية انها وسط في التحليل والتحريم ، وبين من غلو في التحريم مطلقاً حتى حرموا على انفسهم ما أحل الله لهم وبين من غلو في الاباحة المطلقة ، حيث جاءت الشريعة وسطية عدل أباحت الطيبات وحرمت الخبائث وكل أمر ضار ، وحددت علاقة الرجل بربه وبنفسه وبالمجتمع عموماً . وقال :" التوبة بين العبد وبين ربه اقلاع من الخطأ وندم وعزم على عدم العودة ، وأن الله سبحانه فرق بين من كان قبلنا ممن تكتب خطيئته وتوبته ، مشيرا إلى قول الله عز وجل ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) " . وبين سماحته أن علامة وسطية الاسلام التوسط في مطالب الروح والجسد والدنيا والاخرة ، مستدلا بقوله تعالى ( وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) ، مفيدا أن الشريعة الإسلامية دعت الى تهذيب النفس في العبادة المشروعة ونهت الترهب والتنسك الذي يدعوا اليه غلاة تهذيب النفس المهملين لحال الجسد ، واباحت الانتفاع بالطيبات ونهت عن الركون الى البهيمة المادية التي كان عليها مكذبي أنبياء الله ورسله . وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ " إن من علامات الوسطية في الإسلام أنها وسط في علاقة العقل بالوحي فلم تجعل العقل حاكما على الوحي ولا أن العقل المصدر الأكيد الوحيد للمعرفة بل جعلت الوحي المصدر الاول للتشريع والعقل في التكليف وجعلتها اداة لفهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأمرت العقل بالتدبر والتفكر ونهت عن الجناية عليه بالمسكرات والمخدرات والسحر والشعوذة حتى لا يعيش في أوهام ويقدس الضرائح " . وأضاف " أن من معالم وسطية الإسلام انها لم ترضى مذهب من منع التجييز والتغيير مطلقاً ولا من بالغ في التجييز حتى في الثوابت والمبادئ بل وضعت اموراً ثابتة لا تتغير بتغير الاحوال والازمان ، فالعبادة كالعقائد والعبادات موصل للاخلاق ، وهناك من يجتهد فيه حسب القواعد الشرعية ، ومن هنا نعلم ان الشرع لا يقر من دعا الى التجييز والتبديل في الثوابت والمستلزمات لتوافق الحضارات المادية وتواكب متطلبات العصر كما يزعمون " . وأشار إلى أن من علامة وسطية الإسلام كذلك الخيرية المطلقة فيه حيث أن هذه الامة خير الأمم وأهداها سبيلاً وذلك لكمال ايمانها وشمول شريعتها ، مستدلا بقوله تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) . وأوضح أن من الخصائص الوسطية في الإسلام العدل المطلق بين المسلم والكافر والقريب والبعيد والصديق والعدو كونها شريعة حق ، حتى في الحيوان فهي شريعة عدل فهي خير كلها . وأفاد سماحته أن من معالم وسطيتها نبذ الغلو والتمتع في الدين وطلب التيسير ، مستشهدا بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام ( إياكم والغلو ؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ) مبينا أن النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم كان إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن اثماً. وبين سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ أن من مظاهر هذه الشريعة أنها عالمية في العقيدة ووصفت الله بأنه رب العالمين ودعت الى توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته والإيمان بجميع الرسل والايمان بوحدة العقيدة ، وقد دخل من ضمن هذه العقيدة شعوب وأقوام على إختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم ، وأنه بالإيمان تكونت أمة واحدة في غاية الرقي بعيدة عن الوثنية وعبادة غير الله والظلم والفساد . وأشار إلى أن مظاهر عالميتها كذلك أن كتاب الله تحدى به الكفار والمخالفين في كل الأزمان بقوله ( قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) ، ومن مظاهر عالميتها أنها تعالج مشاكل الحياة وتواكب الأحداث وصالح تطبيقها لكل زمان ، وأنها دعت وبينت أن الأصل في الناس جميعاً أنهم من ذكر وأنثى ، فلا شعوبية ولا عنصرية ولا قبلية في هذه الشريعة بل دين حق يجمع الشعوب مستشهدا بقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم ( يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لاعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى ). وواصل سماحة المفتي حديثه في خطبته عن عالمية هذه الشريعة بقوله " إن علامة صلاحها لكل زمان ومكان صمودها عبر التاريخ أمام الأحداث الجسام فلم تؤثر الحركات الهدامة ولا التيارات المعادية ولا الفتن الداخلية ولا الحروب الخارجية بل ظل الإسلام قوياً شامخاً تحدى حروب الردة ، صمد أمام حروب الردة والصبئية والباطنية والزنادقة وشعارات الفلاسفة والشيوعية والإستشراق والتنصير ، وسيظل الإسلام قوياً إن شاء الله أمام هذه التحديات والحملة الشرسة والتشوية المتعمد لصورة الإسلام وسيظل قوة الغد وحضارة المستقبل ، لأنه دين العدل والإنصاف بخلاف العولمة التي ثقافتها تسلط القوي على الضعيف وطمس هويته وتأمين مصالحة وسيظل يهتم بمصالحه مما ينذر بالبطالة والفقر وغلاء الأسعار وغير ذلك من الكوارث ". وبين سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء أن دين الإسلام جاء لتكريم ذلك الإنسان الذي خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته ونفخ فيه من روحه وحفظ عقيدته وعرضه وماله وعقله وحقوقه مهما كان جنسه وعرقه ومهما كان عالماً أو جاهلاً حضرياً أو بدوياً ، ونها عن الإعتداء عليه من أي أنواع الإعتداءات ، مؤكدا أن هذا خلاف الأنظمة البشرية التي جاءت للمحافظة على حقوق الأغنياء الأقوياء وإجحاف حق الفقراء ، حيث أن قوانين هذه الأنظمة حبر على ورق تكيل بمكيالين تجعل للقوي الحق في الإعتراض والنقض على كل قرار يختلف مع مصالحهم . وقال " هؤلاء المستعفون أحتلّت بلادهم وشردوا من أراضيهم وهدمت البيوت على رؤوسهم ، وقُتل الأبرياء وأنتهكت أعراض النساء وحصل إختلال في الأمن ودكت بينهم الحروب الطائفية والحزبية ، والأسلحة بينهم حتى قتل بعضهم بعضاً ووضعت الدساتير والقوانيين لتبرر تلك الجرائم وتفعل تلك الجرائم على مسمع ومرأى ممن يدعون حقوق الإنسان ، فأين حقوق الإنسان من هذه الجرائم ، لا أحد يحرك ساكناً ولا يجرم مجرماً بل لو أحد نادى بحقوق بلاده لجرم وعُقب ولأتخذ قرار ضد المجرم حياء ولا مضض ولأصبح أدراج الرياح " مؤكدا أن الإسلام لا يعرف الزيف ولا المعايير لأنه كما يحرم الإرهاب ويجرم الإرهاب والإخلال بالأمنيين فإنه أيضاً يحرم إحتلال البلاد وظلم العباد ويدعوا إلى أن القتال لا يعالج بالقتل ولا يعالج بالعنف. وأكد سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ في خطبته أن التيسير في اتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما عليه الخلفاء الراشدون وصحابته الكرام . واستعرض سماحته في خطبته خصائص الإسلام العامة واصفا اياه بانه دين رحمة وتسامح ونبذ للشدة والعنف بجميع صوره ، وقال " الرحمة من صفات محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك ذكره الله سبحانه وتعالى بقوله ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) ، وهى رحمة في الشريعة وتعاليمها في العبادات والمعاملات والاخلاق والسلوك ، ففي العبادات لا يكلف الله نفسا الاوسعها " . وبين أن الدين الإسلامي دعا إلى الرفق واللين ، وان الرفق ما ورد في شيء الا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه مستدلا على ذلك برحمة الابوين ورحمة الصغار والايتام والارامل والعجزة والخدم والعمال و الجيران والتراحم بين الزوجين و بالارحام ، كما استدل بقول الله تعالى ( وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ )) وبقوله عز وجل ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) كما استدل بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام ( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ) " . وقال " إن الاسلام حرم الدماء المعصومة بغير حق ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ) ، وحرم الاسلام الارهاب بجميع صوره ودعا الى مجتمع آمن مطمئن يعيش في ضله الجميع بعيدين عن الحروب والفتن فبالامر يحج بيت الله الحرام وبالامر تعمر المساجد وبالامر ينتصف للمظلوم من الظالم " . وأشار سماحته إلى أن من مقومات المجتمع الآمن شكر النعمة واستعمالها في طاعة الله عملا بقوله تعالى ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) ، وأن عدم شكر النعمة يؤذن بالعذاب وانتزاع الامن ، استدلالا بقول الله عز وجل ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) " . وبين سماحته أن من أسباب الأمن الاستقرار السياسي حيث أمر الشرع بطاعة ولي الأمر والالتفات معه ، وحذر من عصيانه والخروج عليه ورغب الإمام في شأن الرعية بالعدل بينهم وسياسته بالحق . وقال فضيلة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ " إن من خصائص الاسلام العامة أنه رسالة عالمية لجميع الخلق ودعوته لجميع الناس في كل الأزمان استدلالا بقول الله تبارك وتعالى ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) ، واستدلالا بقول محمد صلى الله عليه وسلم ( وكان كل نبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت للناس عامة فلا يسمع بي يهودي ولانصراني ثم لم يؤمن بي الا كان في النار ) . وأكد سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ أن الإرهاب يقطع بنفي الغلو مهما كان مصدره ، مشددا على أهمية قطع الأسباب التي تمده ورفع الظلم عن المستضعفين والمسلمين ومعاقبة المجرمين أفراداً أو جماعات . وقال " إن دين الإسلام جاء بارتباط العقل بالعمل وأن العمل والإيمان جزءان وأن الإيمان مربوط بالعمل وأنه يزيد بزيادته وينقص بنقصانه وأن أدلة الكتاب والسنة ربطت الإيمان بالعمل ، فعلى المسلم أن يتقي الله وينفذ فرائضه ويؤدي واجباته ويعرف حقوق الله وحقوق عباده ، وأن أغلى ما يملك المسلم في هذه الحياة هو إيمانه ودينه مطالبا المسلمون بالاعتزاز بالشخصية الإسلامية " . وحذر سماحة مفتي عام المملكة من أن يخجل المسلم من إظهار دينه في أي مجتمع وفي أي مكان مطالبا المسلمين بعدم الالتفات إلى من عطلوا فرائض الله وانساقوا وراء الفتن والمغريات ، متسائلا أين ذهبت أمانتهم وخوفهم من الله وهم يعطلون فرائض الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج ، وأين أمانتهم وهم ينتهكون حرمة الله وترتكب الفواحش والمنكرات ، وأين إيمانهم وهي يؤذون عباد الله ويتركون كتاب الله ، وأين إيمانهم وهم يعتدون على عباد الله ويهينون كراماتهم وتستحل دماءهم وأموالهم ، وأين إيمانهم بالله وهم ينشرون الإجرام والفساد في المجتمع والوطن ، وأين الإيمان بالله وهم أمطية لأعدائهم ينفذون عليهم أغراضهم المشينة ومخططاتهم الناكرة فيلخوا بأمنهم وتدمر ممتلكات البلاد وتسفك دماء الأبرياء ، وأين الأمانة وهي يرتكبون الخطأ بالخيانة العظمى في الدين وتشكك في ثوابته ويبعد الناس عن الانتفاع به وتحطم شرائعه ومعالمه ، هل هذا من الإيمان ، وأين الأمانة وهم يشيعون الفساد ويسعون في شباب الأمة بالمحطات الفاسدة والقنوات الهابطة التي تشكك في الدين والعقيدة ، وأين إسلامهم وهم يأكلون الربا الذي حرمه الله الله وتوعد بالوعيد الشديد ، مؤكدا أن هذه أمور محرمة في شرع الله ويجب أن يتقي المسلم الله في نفسه . وبين سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ أن الله من علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم هادياً ومبشراً ونذيراً واعترف بدولته القاصي والداني ، جبله الله على كامل مكارم الأخلاق وأحسن سيرة عرفها التاريخ ، وشمائله عمت بالأخلاق الكريمة والصفات الحميدة . وقال " إن من سنة الله أن جعل للأنبياء أعداء من شياطين الإنس والجن يستعملوا في عداوتهم البهتان والكذب والأباطيل والإساءة ، وهذا دأبهم في كل زمان وها هم أعداء الأنبياء والرسل في هذا القرن الحادي والعشرين ارتكبوا أعظم الحماقة في حق محمد صلى الله عليه وسلم فنشروا عنه الصور المشينة والأقوال الخبيثة ، فقوموا وهبوا لنصرة نبيكم صلى الله عليه وسلم واستعملوا كل وسيلة لنشر صورته المشرقة من حياته الكريمة وسيرته العطرة وانشروا سنته واعملوا بها وادعوا الناس إلى العمل بها وردوا أكاذيب الكاذبين الذين انطمست قلوبهم وانقلبت فطرهم ومسخت عقولهم فليس لأنبياء الله قدراً في عقولهم وليس لحرمات الله منزل في ضمائرهم ". وأضاف " إن الله اختار لنبيه أصحاباً كراماً هم أبر الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً ، وهم صفوة الله وورثة الأنبياء، يقول ابن عباس في قوله ثم أورثنا الكتاب من اصطفينا من عبادنا ، قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، قال عبد الله بن مسعود إن الله نظر إلى قلوب العباد ورأى قلب محمد خير قلوب العباد فاختاره واصطفاه لنفسه ولرسالته ثم نظر في قلوب العباد فرأى قلوب أصحاب محمد أبر القلوب عقولاً فاختارهم لأن يكونوا وزراء لأنبيائه يقاتلون على دينه فالواجب علينا محبتهم وموالاتهم ، وهذه الفضائل لأنهم يستحقونها حيث آمنوا به إذ كفر به الناس وصدقوه إذ كذبه الناس وأووه ونصروه وبذلوا كل ما في أيديهم من غالي في سبيل نصرته فرضي الله عنهم وأرضاهم ". ووجه سماحته في خطبته الحديث الى قادة المسلمين قائلآ " إن الله أناط بكم مسئولية عظيمة ، أنتم الصدارة والقوة ، تملكون زمام الأمور بتوفيق الله في بلادكم ، فأوصيكم بتقوى الله وبمن تحت أيديكم وأحرصوا على مصالحهم وشؤونهم وسبل راحتهم وأمنهم ، وأعلموا أن سبب قوتكم ومحبة رعيتكم اليكم إنما هي بتنفيذ أحكام الشريعة في كل الميادين فأحذروا من يحارب هذه الشريعة ويسعى في فصل الدين عن الدولة أو تغييب أمة وجعلها تابعة لغيرها " . كما وجه الحديث إلى المسلمين وقال " إنكم تعيشون في زمن تكالبت الأعداء على حربكم ووجهوا سهامهم ضدكم ووظفوا كل إمكانياتهم ضد عقيدتكم ووحدتكم وإجتماع كلمتكم وإشعال نار العداوة والبغضاء بينكم فكونوا على حذر من أعدائكم ، إلتفوا على بعضكم وتمسكوا بعقيدتكم واحفظوا اوطانكم واحذروا ان تقيموا صراعات بينكم وبين حكوماتكم فتسفك الدماء ويضيع الاقتصاد واعلموا واحذروا مكائد الأعداء الذين يوقعون بينكم العداوة وبين مواطنيكم بحجج كاذبة وذرائع واهية ودعوى لا حقوقية لها واعلموا ان سبب قوتكم وعظمتكم في عيون أعدائكم اجتماع كلمتكم وتوحيد مواقفكم امام قضاياكم . ووجه ندائه الى الشعوب في العالم الاوروبي والأمريكي بقوله " طالما نسمع عن حقوق الانسان والعدل والانصاف وهذا ما اتمناه ونحن ان نقرر هذه المبادئ ونؤكدها إمتثالا لديننا السمح الذى شرفنا الله به نحب أن نبني على أمور ، أولاً : ان الانسان في العالم الثالث كما هو في غيره لا تقل كرامته عن حفظ ماله وعرضه وكما لاترضون على العدوان على بلادكم وعلى أمنكم فكيف ترضون بالإعتداء على الآخرين وتشريدهم من ديارهم ، ثانيا: نسمع تصاعداً ضد المسلمين وضد خصوصياتهم وعقيدتهم وهذا وإن كان يخالف القيم التى تؤمنون بها فهو ايضا لايحقق الاستقرار والثبات وانما يزيد حجم المشكلة وينشر العداوة والبغضاء" . ودعا سماحة مفتى عام المملكة إلى الاتفاق على أن الإرهاب جريمة نكراء من أشر الجرائم ، مشيرا إلى أن المشكلة ليست تكمن في الارهاب وحده بل هناك مشكلات كالفقر وانتشار البطالة والامراض ونتائج الكوارث العالمية ودعاهم الى تقوى الله في أنفسهم وأن يرفعوا الظلم والعدوان عن الآخرين. ووجه حديثه في خطبته إلى حجاج بيت الله ، وقال " حجاج بيت الله الحرام اشكروا الله على نعمته أن يسر لكم القدوم إلى هذا البيت المبارك لأداء نسككم بكل أمن وسهولة فاشكروا الله على هذه النعمة ، إن الوصول الى البيت الحرام كان من أصعب المنال ويتعرض الحجاج فيه لأنواع الظلم والعدوان على أيدي قطاع الطرق مع وعورة الطرق وعدم وجود الخدمات الى أن جاءت هذه الدولة المباركة التي قام بها الملك عبدالعزيز غفر الله له فأمن السبل وأمن الطرق ومهد السبل وسهل الوصول الى بيت الله الحرام وبذل كل غالي ونفيس في سبيل ذلك ، فالحمدلله رب العالمين . وقد مضى على هذه السنة الرشيدة والخطوات المباركة أبناءه البررة سعود وفيصل وخالد وفهد ، ونحن في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نرى هذه الجهود جهوداً عظيمة وخدمات متكاملة ومرافق راقية وتسهيلات مريحة ومشاريع عملاقة جعلها الله في ميزان أعمالهم " . وبين سماحته لحجاج بيت الله الحرام أن الحج له مقاصد عظيمة من بعضها توحيد الله جلا وعلا والإخلاص في دين الله،مستشهدا بقوله تعالى ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) ، مشيرا إلى أن من مقاصد الحج ايضا تعظيم هذا البيت واحترامه وكذلك تطهير القلوب من الرذائل والحث على التقوى ، والاجتماع والتشاور والتآلف على كل ما ينفع الأمة . إثر ذلك تحدث سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ عن يوم عرفة وقال " هذا يوم عرفة ، يوم من أفضل أيام الله للدعاء فيه شأن عظيم ، يقول صلى الله علية وسلم ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ماقلت انا والنبيون من قبلي لا الله الا الله وحدة لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ، أكثر يوم يعتق فيه الله عبيده من النار ، ويقول صلى الله عليه وسلم ( مامن يوم أكثر من أن يعتق عبداً من النار من هذا اليوم ‘ وأنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة ويقول ماذا اراد هؤلاء )، هذا يوم عظيم أرفعوا إليه أن يصلح قلوبكم وشأنكم ويجمع كلمتكم وينصركم على من بغى عليكم " . وأضاف " قفوا بهذا المكان المبارك فإن الوقوف به ركن أساسي من أركان الحج ، وأنظروا إلى معالمة وحدودة فإن النبي عليه افضل الصلاة واتم التسليم يقول ( الحج عرفة ) ، وقف نبيكم في هذا المقام المبارك وصلى وخطب الناس الظهر والعصر جمعاً وقصراً ، ثم إذا غربت الشمس فأنصرفوا بعد غروب الشمس وصلوا بمزدلفة المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ، متى ما وصلتم إليها ولكم الدفع منها بعد معظم الليل ، أو صلوا بها الفجر فذلك أفضل ، ثم أرموا جمرة العقبة ، ثم أحلقوا أو قصروا فقد حل كل شيء حرم عنكم بالإحرام إلا النساء ، ثم طوفوا وأسعوا في البيت إن كنتم متمتعين أو قارنين ، ومن قدم شيئاً فلا حرج عليه ، بيتوا في منى ليالي التشريق وارموا الجمار بعد الزوال الى طلوع الفجر ، وكل ذلك متيسر ، ثم ارجعوا الى البيت الحرام واسألوا الله التوفيق والسداد " .
بعد ذلك وجه مفتى عام المملكة الحديث إلى الشعب العراقي وقال " أيها الشعب العراقي المسلم ، لقد انطلق صوت الحق والهدى يدعوكم الى التآلف والاجتماع من قلب رحيم شفيق عليكم حريص على مصالحكم يؤلمه ما يشاهده من سفك الدماء والتدمير والخراب ، يدعوكم الى التوحد والالتفاف ، يدعوكم الى جمع كلمة حق ، يدعوكم الى تكونوا متمكنين في مواقعكم حريصين على مصالحكم ، فاستجيبوا لهذا النداء المبارك الذي ندعوا الله أن يكون في ميزان خادم الحرمين الشريفين " . وأكد سماحته أن الامة تتطلع اليوم إلى خادم الحرمين الشريفين لحل هذه القضايا المعضلة في الصومال الممزق والسودان وافغانستان وغيره من دول العالم . ثم وجه فضيلة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ الحديث إلى الشعب السوداني وقال " يا اخواني في السودان اتقوا الله في انفسكم واحرصوا على بلادكم وتنبهوا لما يراد بكم وجدوا اجتهدوا وتمسكوا بوحدتكم ففي ذلك خير لكم وصلاح ". وذكر سماحته المسلمين بأن الدنيا ليست دار مقر بل دار ممر ، داعيا إلى الاستعداد للموت والحساب وقال " الموت يأتي على أي أحد ومصير كل أحد ، فاستعدوا لهذا الموقف العظيم ، واعلموا أن لنا بعد الموت سكنى في القبر الى أن يأذن الله بقيامنا يوم القيامة ، ثم اعلموا ان هناك موقف بين يدي الله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة في يوم عظيم هوله شديد ، الناس عارية ابدانهم ، حافية اقدامهم ، شاخصة ابصارهم ، فتفكروا في ذلك اليوم العظيم واهواله ، العرق يلجم بعضهم والبعض يصل العرق إلى حقويه وبعضهم إلى كعبيه ، انظروا ميزان الاعمال فمن ثقلت موازينه فاؤلئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فاؤلئك من خسروا انفسهم في جهنم خالدون ، تأملوا السراط والعبور عليه وتأملوا يوم ينادي منادي يا اهل الجنة ان لكم ان تنعموا فلا تبأسوا ابداً وان لكم ان تحيوا فلا تموتوا ابداً وان لكم ان تشبوا فلا تهرموا ابداً وان لكم ان تصحوا فلا تسقموا ابدا ، يوم ينادي المنادي يا اهل الجنة خلود فلا موت ويا اهل انار خلود فلا موت . وسأل سماحته الله في ختام خطبته أن يغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وأن يؤلف بين قلوبهم ويصلح ذات بينهم وينصرهم على عدوهم ويهديهم سبل السلام وان يخرجهم من الظلمات الى النور . كما سأل الله أن يوفق امام المسلمين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى كل خير ، وأن يمده بالتوفيق والهداية ، وأن يوفق ولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني لكل خير . وسأل الله أن يوفقك رجال الأمن لما قاموا به من جهود جبارة . وقدم سماحته الشكر لسمو الامير خالد الفيصل امير منطقة مكةالمكرمة لما قام به من جهود جبارة ، وان يوفق الجميع لكل خير وان يعينهم على كل خير .