أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية الفلبين    مستثمرون وخبراء يناقشون الجولات الاستثمارية في عكاظ فالي    أمير دولة قطر يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    محافظ الأحساء يستقبل مدير التعليم المعين    الأمن العام يدعو ضيوف الرحمن إلى الالتزام بالممرات المخصصة داخل الحرم    أكثر من 66 مليون قاصد للحرمين الشريفين خلال شهر جمادى الأولى 1447ه    نجاح النسخة الأولى من منتدى الأعمال الذي نظمته وكالة التجارة الإيطالية في المملكة العربية السعودية    بأمر ترامب.. البدء بإجراءات تصنيف "الإخوان" منظمة إرهابية    بدء أعمال السجل العقاري ل (499) حيًا بمناطق الرياض والقصيم ومكة المكرمة وحائل    القبض على شخصين لترويجهما 3 كيلو جرامات من نبات القات المخدر    الرؤساء التنفيذيون في السعودية يتصدرون مستويات الثقة والاستعداد للذكاء الاصطناعي وفقا لتقرير كي بي إم جي    40.8% من الأسر تفضل الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة في المسكن    13.9 مليون إجمالي مرات أداء للعمرة خلال شهر جمادى الأولى    أمير منطقة الجوف يرعى اللقاء الثالث والستين من "ليالي الجوف"    عنبر المطيري تُشعل «وهج القصيد» في أمسية شعرية تحت مظلة الشريك الأدبي    الأمم المتحدة تطلق عملية لانتخاب أمين عام جديد لها    الصين تحذر من أنها "ستسحق" أي محاولات أجنبية للتدخل في شؤون تايوان    إنقاذ طفل يعاني من انسداد خلقي في المريء بتبوك    مطار أبها الدولي يحصد المركز الثالث عالميًا في الالتزام بمواعيد الرحلات    عبدالعزيز بن سعد يُدشِّن خدمات "مدني الحفير"    التأكيد على أهمية ضمان مسار حقيقي للتوصل إلى حل الدولتين    خالد بن سلمان يرأس وفد المملكة في اجتماع مجلس الدفاع الخليجي    أمير الرياض يستقبل مديري الشرطة ودوريات الأمن    من ذاكرة الزمن    «حراء».. أصالة التاريخ وروح الحداثة    «غزة الإنسانية» توقف أعمالها بعد منعها توزيع المساعدات    ضبط مخالفين لنظام البيئة في القصيم    بطل فريق هنكوك السعودية سعيد الموري يشارك في رالي جدة بدعم مجموعة بن شيهون وشركة الوعلان للتجارة    ذروة استثنائية في المسجد الحرام    القيادة تهنئ رئيس مجلس رئاسة البوسنة والهرسك ورئيسة سورينام    أمير نجران يثمّن حصول مستشفى الملك خالد على الدرع الذهبي من "ELSO"    حماس تعلن تسليم جثة أسير إسرائيلي.. نتنياهو يحذر من خرق اتفاق وقف النار    دك شباك الشرطة برباعية.. الهلال يعزز صدارته للنخبة الآسيوية    المملكة وإيطاليا يوقعان مذكرة تفاهم في المجالات الرياضية    خماسي الريال الغاضب يهدد بإقالة المدرب ألونسو    أزمة اللغة بين العامية والفصيحة    المسرح الشبابي    «مركز الموسيقى» يحتفي بإرث فنان العرب    «حقوق الإنسان» تطالب بالتحقيق في استهداف «عين الحلوة»    موسكو تطالب بجدول زمني لانسحاب الاحتلال    زيارة تاريخية تصنع ملامح مرحلة جديدة    «الجوازات» تصدر 25,646 قراراً بحق مخالفين    علماء: مذنب يقترب من الأرض مطلع يناير    "الداخلية" تسهم في إحباط محاولة تهريب مخدرات    تماشياً مع الأهداف العالمية للصحة والتنمية.. الربيعة: السعودية حريصة على حماية حقوق التوائم الملتصقة    غزال يقتل أمريكية أنقذته    جورجية تفقد النطق بسبب السجائر الإلكترونية    الصادرات غير البترولية تقود نمو التجارة السلعية للمملكة    الهلال يتفنن برباعية على حساب الشرطة العراقي    اتهامات بانتهاكات واسعة في الفاشر ومساع دبلوماسية لإنهاء الحرب    وزير الرياضة يوقع مذكرة تفاهم مع السيد أنطونيو تاياني للتعاون في المجالات الرياضية بين المملكة وإيطاليا    دعم مشروع القائد ورؤيته التي تعمل على استقرار العالم    الموافقة على نظامي الرياضة والرقابة والمالية وإقرار إستراتيجية التخصيص    الحقيقة أول الضحايا    أمير تبوك يستقبل سفير دولة الكويت لدى المملكة    الشؤون الإسلامية في جازان تُشارك في اليوم العالمي للطفل    104% زيادة بتوثيق عقود الشركات    تحت رعاية عبدالعزيز بن سعود.. تكريم المتقاعدين من منسوبي الأحوال المدنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنسان الغربي
نشر في المدينة يوم 01 - 02 - 2013

فالحضارة في الغرب ركيزتها العلم، فكان لذلك "تعظيمهم للعلوم والحكمة وتمكين من يشتغل بذلك ورعاية جانبه
في الغرب: الحرية، والعدالة والمساواة، حيث يسود الأمن والأمان، فلا صغير يخاف كبيرا مهما كان موقعه ووزنه، الحر الآمن المطمئن حيوي ناشط منتج، أما العبد فخامل، اتّكالي، سلبي، الحرّ يعمل بثقة واطمئنان وإخلاص، ينتج؛ فيحسّ بذاته، والحرية أساس كلّ تطوّر وازدهار، فالحرّ عامل واثق آمل متطلّع، والعبد يائس، يعيش يومه، فلا يختلف عن سابقه، ولا يتجاوزهما في لاحق، الحرية روح الكرامة الإنسانية، أما قالها الخليفة العادل (عمر بن الخطاب): "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"؟ صارت ممارسة الحرية إنتاجا أوروبيا حين غادرنا الميدان قبل بضعة قرون وأخذ (العصا) الغوغاء وراء أشباه المتعلمين من إخوان الهوى والشيطان. الحرية لا تتجزأ: ذاتية فكرية اقتصادية سياسية اجتماعية، ضمن ضوابط لأمن الأفراد والجماعات، والأمة والوطن، وقد رآها الرجل (الطهطاوي) متميّزة في الغرب، فلذا قال لنا في كتابه تخليص الإبريز في تلخيص باريس إنّها "أعظم حرية في المملكة المتمدّنة".
اتّهموا محيطنا الجغرافي الصحراوي ومناخنا من عوامل كسلنا البدني والفكري، فضلا عما يحفل به واقعنا من أمراض وآفات تغري بالركون للكسل في الظل أو في المقاهي والساحات، والاكتفاء في المعاش بالزهيد حتى بفتات الصدقات، مما يفضي إلى الطمع والكسل من دون عمل، حتى التمسح بالأبواب طلبا لحاجة وحتى وجاهة وسلطان، هذه الأوضاع هي التي هجّرت الكفاءات التي أبدعت في مهاجرها لخدمة بلدان غير أوطانها، فالقضية: مناخ سياسي، وسياسة ثقافية شكلية راكدة، ماذا كان ينتظر السيد (ستيف جوبز) العربي الأصل -الذي كان اسمه سميرا- أن يصير لو بقي في ( سوريا)؟ ربما يصير عنصرا في ( الشبيحا) أو (حزب البعث ) يؤّلّه جلاّده، لكن فرار أسرته إلى ( أميركا) وفّر له الفرصة ليبدع في عالم الحرية، فيكون (عبقري أبل) الذي ((غيّر العالم)) بتعبير الرئيس الأميريكي نفسه ( باراك أوباما) حين رثاه وغمره بشتى الأوصاف في يوم وفاته (6/10/2011) فبكته الدنيا كلها ورثاه رؤساء العالم.
ربّما تجاوز خصومنا -وأتباعهم بيننا- ذلك لاتّهام ديننا، فيحمّلون المصطلحات ما يخرج عن نطاقها، فيفسّرون (التّوكّل) على الله مع العمل واتخاذ الأسباب بالتواكل حتى كاد ذلك يصير فعلا طبيعة أعرابية فينا، فلم نرتق إلى أوامر الله في القرآن الكريم، بأن نكون أقوياء ماديا ومعنويا، ولا يكون ذلك إلا بالعمل المنتج، والتربية السليمة: سياسيا وتربويا وفكريا من أجل بناء أمة قوية سوية، لذا عبّر (الطهطاوي) بمستوى المرحلة يومئذ في القرن (19م) حين قال: "حسن تربية الآحاد ذكورا وإناثا وانتشار ذلك فيهم يترتب عليه حسن تربية الهيئة المجتمعة، يعني الأمة بتمامها، فالأمة التي حسنت تربية أبنائها واستعدّوا لنفع أوطانهم هي التي تعدّ أمّة سعيدة وملّة حميدة" لذا أثنى الطهطاوي على السياسة الفرنسية في بناء الأمة والفرد، في مجتمع حيوي نشيط منتج طموح متغيّر أبدا منطلق دائما، يثمّن عمل الجادّين، يشجّع المخلصين معرضا عن الخاملين في الأقبية والزوايا، هذه الأخيرة في أحسن الحالات: هو الموقع الذي اخترناه لأنفسنا لنعيش حياة أقرب لماذا؟ تستعصي الكلمة علي، يثقل دورانها على لساني، يختصرها مثل شعبي جزائري -فيما يبدو- يلوذ به من بلغوا من العمر عتيا ويئسوا من الحياة، فيقولون: "نأكل القوت ونستنّى الموت" أي (نقتات في انتظار الأجل)! صورة للهوان والرغبة عن الحياة، والرغبة في الرحيل إلى الدار الآخرة أيضا، حتّى من دون زاد! فالمثل لا يشير إلى عمل وعبادة وتقوى كزاد للآخرة، بل لطعام يسير يساعد على البقاء حتى يحين الأجل.
الإنسان الأوروبي منتج حتى آخر رمق تجسيدا للحديث النبوي الشريف أن نبادر بغرس نبتة في اليد حتى وإن قيل: إن قيام الساعة اليوم.
أساس بناء الإنسان القوي الآمل المنتج: الحرية، أداته العمل، والعمل بالعلم، لذا أثنى الرجل على العلم كركيزة لبناء الحضارة، لذا طلب من أمته الإسلامية أن تعنى بتعليم أبنائها المواد العلمية والعلوم السياسية كما تعنى بالقرآن الكريم، "فالتثقيف السياسي لا يقلّ أهمية عن التثقيف الديني" -لأن هذا التعليم- "هو الوسيلة العظمى التي يكتسب بها الإنسان معرفة ما يجهله بالكلية".
فالحضارة في الغرب ركيزتها العلم، فكان لذلك "تعظيمهم للعلوم والحكمة وتمكين من يشتغل بذلك ورعاية جانبه، حتّى كان أكثر ملوكهم علماء وحكماء، فمن تمام رونق المملكة اشتمالها على أئمة في هذه العلوم بأسرها، فما أضيع دولة قلّ علماؤها وحكماؤها وفسدت مزارعها وكسدت منافعها، ولم تجد من يحييها، ولا من يحيى بتحيات العلوم معالمها ونواحيها" فأعطى بذلك مبكرًا اهتماما للعلم والعلماء والتأليف، مثل التربية، ونبه لأهمية ذلك.
من هنا كان فصل خاص عن باريس، في كتابه هو الفصل الثالث عشر، بعنوان "في ذكر تقدّم أهل باريس في العلوم والفنون والصنائع، وذكر ترتيبهم وإيضاح ما يتعلق بذلك" وهو الناقص الأول بمضمونه العملي اليوم مثل الأمس، في مجتمعاتنا الإسلامية، ألم يكن من حقّ الرجل (الطهطاوي) أن يعلن حسرته في المقدمة عن تأخّرنا عنهم "ولعمر الله أنني مدّة إقامتي بهذه البلاد في حسرة على تمتّعها بذلك وخُلوّ ممالك الإسلام منه، وإيّاك أن تجد ما أذكره لك خارقا عن عادتك، فيعسر عليك تصديقه، فتظنّه من باب الهذر والخرافات، أو من حيّز الإفراط والمبالغات" لكون الحقائق الناصعة في أوروبا المتقدمة صادمة في مجتمع إسلامي ارتضى لنفسه التخلّف، بفعل خلف سيئ، أضاعوا الطريق والأوطان، والدين نفسه.
كان الرجل دقيقا صادقا يقظا أيضا، فحين يورد الجوانب السلبية يلفت إليها النظر، فلذا يصرّح أنّه يتجنّبها لسوئها عقديا وأخلاقيا، كما باح بذلك في مقدمته "وقد أشهدت الله سبحانه وتعالى على ألا أحيد في جميع ما أقوله عن طريق الحق، وأن أفشي ما سمح به خاطري من الحكم باستحسان بعض أمور هذه البلاد وعوائدها على حسب ما يقتضيه الحال، ومن المعلوم أنّي لا أستحسن إلاّ ما لم يخالف نصّ الشريعة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة وأشرف التحية" مشيدا بقيم الحرية والعدالة والنشاط. جميعها تمنح الثقة بالنفس، بالذات. العمل والنشاط مصدر للكسب الشريف النظيف، والرقي السياسي والاجتماعي والثقافي، واحتلال الفرد موقعه المستحق، لا يسطو عليه متزلفون ومتربصون بالمكاسب والمغانم متملقون أو متهالكون، هؤلاء مكانهم عندنا في العالم الإسلامي عموما والعربي خصوصا!
*مفكر جزائري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.