قد أكون من المتأخرين الذين يقرؤون كتاب الأستاذ الدكتور سعد البازعي الاختلاف الثقافى وثقافة الاختلاف (2008). شدني إلى الكتاب عنوانه الحائر، كما يوضح مؤلفه في المقدمة، الاختلاف الثقافي: هل يتحول إلى ثقافة الاختلاف؟ ماذا عن فقه الاختلاف كما يراه القرضاوي وعلماء الدين؟ ماذا عن أدب الاختلاف كما يراه المفكرون والفلاسفة؟ أم هو علم للاختلاف؟ ويعطي البازعي مثلاً من المسلمين الذين ظلوا على دينهم بعد سقوط الدولة الاسلامية في الأندلس. فثمة قومية عرفت بالموريسكيين حمتها ثقافتها من الفناء وقاومت مذابح الأسبان وضمنت للموريسكيي أن يخلدوا كشعب أثبت أن الاحتماء بالثقافة يضمن البقاء من دون استخدام السلاح. وأضيف أن الثقافة العبرية، أيضا، قد ضمنت بقاء الشعب اليهودي - وان كان بوسائل مختلفة ينقصها كل الصدق في أكثر الأحوال - إلى أن قامت دولتهم عام 1948م باحتلال فلسطين ثم الجولان والقدس والضفة الغربية لنهر الأردن عام 1967م وأمكن لاسرائيل ان تحد مصر شرقاً لولا اتفاقية كامب ديفيد عام 1978م. ذلك حين أصبح لاسرائيل قوة عسكرية إلى جانب القوة الثقافية لتعلن في أوائل تسعينات القرن الماضي انها الدولة العبرية وليست اليهودية، تمسكا باللغة وثقافتها وليس بالدين وخلافاته الجمة. يدخل البازعي إلى قارئه معرفاً ومبسطاً وشارحاً ومحللاً لمفهوم الاختلاف الثقافي وقد أبهرني هذا المدخل الذكي. وازددت انبهارا حينما رأيت الرجل يفسر أمرا تحيرت فيه كثيراً: لماذا تفشل الأعمال النقدية المترجمة إلى العربية أن يكون لها تأثير كما في الانجليزية الأصل مثلا؟ يستوي في ذلك الكتب التي تترجم إلى العربية والمقالات المفردة التي تتناول قضايا بعينها. كنت أرى أن الأعمال النقدية في الانجليزية تطبق ما تقول على أعمال أصيلة باللغة الانجليزية. وحين نترجم النقد نفشل في ترجمة النص الأدبي وهذه معضلة، وهذا سبب الاخفاق الذي يصاحب ترجمة النظرية النقدية كبرت أو صغرت. فالنظرية النقدية تبنى على نص في نظرية اللغة التي كتبت بها، وعندما تنقل النظرية لابد أن ينقل معها النص. والنقل هنا ليس لغةَ فقط، هو ثقافة وفكر واجتماع وفلسفة وهذا شبه مستحيل لمترجم أن يفعله. وهذا ما ينقله البازعي عن الناقد الأمريكي ج. هيلس ميلر حين يقول: «عندما تترجم النظرية أو تنقل، عندما تعبر الحدود، فانها تحضر معها ثقافة من أساسها» (الاختلاف، ص 24). وينجح كاتبنا أن يعطي الثقافة بعدا عمليا بتقريبها من القارئ إلى مفهوم عملي تجاري، ليسٌوق من خلاله الثقافة، فالثقافة تُستورد وتٌصدر وكما أن هناك ميزانا للصادرات وآخر للواردات فان الثقافة تراوح بين الاستيراد والتصدير (الاختلاف، ص 48). ثمة شعوب تستورد السلعة الثقافية وبالتالي فهناك مصًدر لها. وكأننا بالكاتب يريد أن يزيح من طريق قارئه وعن فكره أسطورة، أو وهم الغزو الثقافي. وأنا أتفق مع من يذهبون إلى أن الثقافة لا تغزو أحدا، انما نحن الذين نقبل عليها ونحرص على اقتنائها. وسأضرب مثلا من مسلسل نور التركي الذي كان يشاهده ثمانون مليونا من المشاهدين العرب رغم أنه مدبلج وأن موضوعاته عادية، بل وضد ما ننشده في حياتنا العربية لما فيه من علاقات محرمة بين أبطاله. الا أن الثقافة التركية أصبحت، من خلال مسلسلات تالية مادة ثقافية استهلاكية مطلوبة، ولم نسمع بأصوات تقول إن هناك غزوا ثقافيا تركيا للمنطقة العربية هذه المرة. واذا كان من آثار غير محمودة لهذا المسلسل بالذات فهي ارتفاع تسبة الطلاق في عالمنا العربي في الفترة التي أعقبت اذاعته. وقد تزامن ذلك مع انشاء جمعية للمطلقات في مصر، حيث وصل عددهن بسبب مهند وغيره من أسباب اقتصادية وفكرية ال مليونين ونصف! لاشك أن الثقافة التركية تمهد للسياسة التركية التي أصبحت، في عهد دولت السيد رجب أردوغان رئيس وزراء تركيا، سياسة يرضى عنها المواطن العربي المسلم وغير المسلم. وليس أدل على هذا الاعتراف سوى منحه جائزة الملك فيصل لخدمة الاسلام للعام 2010م. الاستهلاك الثقافي، وهو في حالتنا استيراد بغزارة، يعود إلى «اللاوعى» (الاختلاف، ص 58) الذي تناوله كل من فرويد ويونج التحليل النفسي. فالمستهلك العربي يذهب إلى ثقافة الآخر، ساء كان غربيا أمريكيا أو انجليزيا أو فرنسيا، أو مؤخرا آسيويا متمثلا في الثقافة التركية. اللاوعي العربي يحس بمرارة الهزيمة، والقهر والحزن والمواطن العربي اذا ضحك لبعض الوقت يتشاءم ويقول: «اللهم اجعله خيرا». وكأن الضحك محرم عليه فاذا ضحك فان مصيبة ستطرق بابه بعد حين. لذا نجد فرحة خاصة لدى العربي في استقباله للثقافة الغربية. ففي النتخابات الأمريكية الأخيرة التي كانت على وشك أن تأتي لرئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية بامرأة هي السيدة هيلري كلينتون اليمقراطية التي تنازلت رعاية لمصالح الحزب إلى ديمقراطي آخر هو السيد باراك حسين أوباما، الذي لم يتصور أحد أن من عروقه ومن لونه ومن ثقافته سيأتي حاكم أكبر دولة في العالم. لذا حق للعربي المنكسر في لا وعيه أن يُقبل على هذا الموجود الثقافي الأمريكي بنهم وحماس لم يعهدهما من قبل وان كان ذلك لحين. وكذلك الانتخابات البرلمانية البريطانية كانت مبهرة للمواطن العربي الذي رأى أن حساب الساسة لا يكون بالسب والشتم والقذف انما يكون في صندوق الاقتراع ويوم الانتخاب. سقط جوردون براون الذي حاز ما يقارب ثلاثمئة صوت وسلم الراية إلى شاب وسيم هو ديفيد كاميرون زعيم المحافظين ليتحالف مع شاب آخر هو زعيم الأحرار الديمقراطين ليعطيا بريطانيا دما جديدا وشبابا من شبابهما ويزيلا من الحياة السياسية البريطانية ركودا وماءا أسنا. فلماذا لا ينبهر المواطن العربي بهذا النموذج ولماذا لا يستقبله ويستورده بعيدا عن وهم الغزو الثقافي والغزوات والغزاة الذي عاش في ربقه سنوات طويلة؟ وبعد أن يعرج البازعي في الباب الأول «في الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف» في حوالي أربع وخمسين صفحة يناقش فيها: تمثيلات الآخر ورحلة الاصطلاح، المصطلح من الهجرة إلى الهجنة، الترجمة والمنجز في دليل الناقد الأدبى، و«المناهج الغربية: خصوصيتها واشكالية التهيئة»، يخلص إلى نتيجة شعرت معها أنه مشفق على الحال الثقافي العربي، وانه لاحل أمام المثقف العربي سوى أن يستسلم لقدره الذي حول المثقفين إلى «شراح ومترجمين ومتمثلين لما ينتج في فرنسا أو في أمريكا، ويكون أفضل ما يمتدح به الواحد منا هو متابعته الممتازة لما تنتجه دور النشر والجامعات الغربيه» (الاختلاف، ص 83) أوحت ما يدور في الدوائر السياسية الغربية. هذا صحيح، ودليل ذلك ما قدمته أنا شخصياً منذ قليل عندما تحدثت عن الثقافة التركية والانتخابات الأمريكية التي أوشكت أن تأتى بأمرأة، لكنها أتت باسود رئيس للولايات المتحدةالأمريكية، ثم الانتخابات البرلمانية البريطانية الأخيرة التي أتت بشابين ليحكما بريطانيا ويكونا حكومة ائتلاف. ولكن، ألا يرى البازعي أن المثقف العربى هو منتج أيضاَ؟ والمنتج تدخل في تكوينه عناصر ومكونات منها التربية، التعليم، القراءة، ومناخ الحرية، ومناخات أخرى. ألا يرى البازعي أن المواطن العربي قد تربى في جو لا يسمح فيه أن يظهر فيه باراك أوباما؟ أو ديفيد كاميرون؟ أو رجب طيب أوردوغان؟ ان التربية العربية اليوم وكما كانت منذ قرون تربية تقليدية رغم غزارة ما لدينا من كتب تربوية وكليات تربية تراوح بين جامعية ومتوسطة ونوعية. ورغم كثرة أساتذة التربية في عالمنا العربى الا أن التعليم يتدهور وينحدر ويتخلف. فكل العالم العربي يقف عاجزاَ مكتوف الأيدي وليس المثقف وحده وليس أستاذ الجامعة وحده. ان تنشئة الطالب في المدرسة الأمريكية ليست هي تنشئة الطالب في المدرسة العربية ولذا يستحيل أن يكون المنتج الأمريكى مساوياّ للمنتج العربى. وقس على ذلك ما يقال عن المنتج الفرنسي أو الانجليزي. ولذا سنظل - للأسف الشديد - في هذه الفرعية كما شخصها البازعي، نحلل فقط ونتابع فقط ونترجم فقط وليس جميعنا يقوم بذلك الجهد: يقوم به من عرف لغة الآخر وأجادها وفهم الآخر وأجاد الحوار معه، وهذا النفر قليل بل وقليل جداً. كثير من يتكلم الانجليزية، لكن كم من هذا الجميع قرأ ما كتب مفكرو الثقافة الانجليزية؟ فارق كبير بين الرطانة والتحدث والتعبير والتواصل مع الآخر بلغته وقراءة فكره. ويدلل البازعي على هذا التوجه عندما يطرح سؤالاً خطيراً هو «لماذا لم ينطلق حتى الآن ناقد عربي واحد من البلاد العربية ليشارك في صياغة هذا الاتجاه الأخير بوصفه الأقرب إلى التميز غير الأوروبى؟» (الاختلاف، ص 94). وذلك في طرحه للنقد ما بعد الاستعماري. فهو يرى أن نقاداً كباراً مثل فانون الأفريقي وسعيد العربي وهومي بابا وادوارد سعيد لم يكن ليتأتى لهم أن يطوروا نظرياتهم لو أنهم بقوا في بلادهم التي ولدوا فيها. وهذا يؤكد ثانية على أن التنشأة الفكرية لا تكون خبط عشواء انما هي مراحل طويلة تصل بنا في النهاية إلى ابتكار فكرة معينة وعلى مدى أوسع إلى انتاج الفكر نفسه. ويشجعنى البازعي أن أقول أن أحمد زويل ومن قبله فاروق الباز ومجدي يعقوب ومحمد البرادعي ما كان لهم - وهم في مجالات بعيدة عن الأدب والنقد - أن يبدعوا في فكرهم العلمي لو ظلوا في ارض الكنانة. وأقصى ما كان يمكن أن يصل اليه أحمد زويل هو أن يصبح عميداً لعلوم الأسكندرية أو رئيساً لجامعتها أما الباز فهو بعد حصوله على الدكتوراه في جيولوجيا القمر عُين أستاذاً لجيولوجيا الأرض فيما كان يعرف وقتها بالمعهد العالي للبترول بالسويس ورفض استلام هذا العمل فاضطر أن يبيع عدداً من الأفدنة التي التي يملكها وفاءًا لقيمة البعثة للجامعة واستقال وأكمل مسيرته في بلد آخر هي التي جعلت منه ما نراه اليوم. أما البرادعي فان الحديث عنه غير مأمون العواقب هذه الأيام. أما السير مجدي يعقوب فهو قصة نجاح أخرى لا تستوعب هواءها الرئة العربية. وأظن أن الجامعات ومراكز البحوث في أمريكا والغرب تمتلىء بالباحثين المتميزين المثابرين من غير أهلها لكن نصيبهم من الشهرة كنصيب زويل والباز وهذا ما يؤكده البازعي حينما يقول «ان العلم جزء من الثقافة» (الاختلاف، ص 106). فى احد مؤتمرات جامعة المنيا بمصر، تحدث باحث من أندونيسيا عن مشكلة التواصل مع طلابه في فصول تعليم اللغة الانجليزية. ركز في ملاحظة مفادها أن طلابه لا يسألونه أي نوع من الأسئلة في الدرس. واذا سألهم عما اذا كانوا قد فهموا فانهم يجيبون، او يومئون، بنعم. وعندما أصر على أن يعرف علة عدم السؤال من جانب طلابه فوجئنا أن سبب ذلك هو ثقافة الأنونيسى المسلم التي تعتبر أن سؤال الكبير «عيب» واهانة له، ولذا لا يصح أن يمارسها الصغير احتراما للكبير حتى لو أن الصغير لم يفهم. ولقد حاولت مع طلابى في دروس النقد بالجامعة أن أشجعهم على التواصل من خلال النقاش فكان الرد الدائم «نحن لم نتعود على ذلك وانت الوحيد الذي يطلب هذا منا». فالدرس لديهم هو تلقين وحفظ يفرغ في أوراق الاجابة وينسى بعدها. وهذه احدى نتائج ما يعرف بالتعليم الخطىlinear teaching الذي يكون في اتجاه واحد من المعلم إلى الطالب فقط. لذا يأتي الاصلاح التعليمي ضرورة ملحة في اطار التنوير الذي يعرفه كانط على أنه «مقدرة الانسان على الاكتفاء بعقله في الوصول إلى اجابة لما يواجهه من اسئلة، قاصداً بشكل خاص عدم الاعتماد على الكهنوت والنصوص المقدسة بشكل عام» (الاختلاف، ص 115). وهنا تبدأ مواجهة الكبير وسؤاله ومساءلته وهنا تبدأ الاتهامات لمن يفعل ذلك بأنه تجرأ على الأعراف والعادات والتقاليد التي ترسخ الماء الآسن وأن لا جديد تحت الشمس إلى أن نصل إلى عاميات مثل «مين فات قديمه تاه» كأن الماضي الذي هو قديم بالقطع هو بوصلة أحياء اليوم. وكأن مكانة الكبير والقديم والسابق هي كل شيء فى حياتنا الحاضرة. وكأن شعوبنا قدر لها أن تحكمها القبور وتحكمها عادات حكمت منذ قرون مضت لذا يصبح التنوير دخولاً إلى غابة أشواك وحقل ألغام يحيل الباحث إلى دوائر الأمن والمحاكم وما لايحمد عقباه. وهذا ما جعل البازعي يستدرك فيقول إن التنويريين الغربيين أخذوا «مطلقات التوير الغربية ونادوا بها عندنا أيضاً كمطلقات، من دون أن ينتبهوا إلى المعاني المحددة التي فهم وطبق بها الغرب هذه المطلقات، والى أن هذه المعانى المحددة التي فهم وطبق بها الغرب هذه المطلقات، والى أن هذه المعانى قد لا تكون أنسب المعانى لنا» (الاختلاف، ص 122). وكأن المثقف التنويري عليه أن ينتقي وأن يقوم بغربلة الفكر الغربي أولاً حتى يقوم بتطويع هذا الفكر ليصلح أن يكون متمشياً مع موجود الاطار العربى. وهذه محاولة قد تكون مفيدة اذا ما سعينا إلى التلاقح مع فكر الآخر. ولست مع قبول كل ما لدى الآخر كما هو ولست ضد رفضه. وشاهد ذلك تجربة الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873م) الذي ذهب شيخاً معمماً مع البعثة المصرية العسكرية إلى باريس (1826) وعاد معمماً وزادته فرنسا من نورها نوراً وتنويرأ ليضع كتابه في تعليم البنات ولينشئ مدرسة الألسن (تخرجت أول دفعة منها في 1839) في عهد محمد على باشا الكبير (1769-1849) وهو الذي حكم مصر الحديثة من 1805 إلى 1848م. هذا التنويرى الرائد عرف أن اللغات هي السبيل إلى معرفة الآخر رغم ما يقال إن محمد على كان يطلب الترجمة إلى التركية بصفة اساسية ثم إلى العربية. شاءت ظروف الطهطاوي أن تتلخص اسهاماته التنويرية في أمرين: تعليم البنات في كتابه المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين (1872، 1869) وتعلم اللغات، وهذا شرف ريادي عظيم في وقت كان ينظُر فيه إلى الأمرين على انهما من المحاذير. ويكمل مسيرة الطهطاوي في تعليم المرأة رائد آخر هو قاسم أمين (1863-1908م) الذي كتب تحرير المرأة (1899) وكان هذا الكتاب بمثابة زلزال في فكر المصريين حيث تناول الحجاب وتعدد الزوجات وترجمه المستعمر إلى الانجليزية ونشره في الهند والمرأة الجديدة (1901). الا أنه مما يثير الدهشة أن مكتبتنا العربية لم تظفر الا بكتابي الطهطاوي وقاسم أمين في تعليم البنات. لذا لم تستفد المرأة المصرية في بقية تحركها نحو التعلم كثيراً. ذلك أنه لم توضع مناهج لتميزها عن الرجل ولم تحدد لها تخصصات تكون فيها الأبرز مثل طب الأطفال والنساء والولادة وتربية النشء في المدارس الابتدائية. فتعليم المرأة هو نفسه تعليم الرجل وأدى ذلك إلى ترجيل عقلها، أو ذكرنته بتحويله إلى عقل رجل مع بقائه في جسد أنثى. لذا أصبحت المرأة المصرية تفكر وتتصرف في ندية غير مسبوقة للرجل المصري. وعليه وجدنا حالات من الاعراض عن الزواج ترتفع من عام لآخر، ليس التعليم سبباً وحيداً لها ولكن تضاف اليه أسباب أخرى. أدى الأمر في النهاية أن يصبح لدينا ما يزيد على خمسة ملايين فتاة عانس تعدين سن التاسعة والعشرين ولم يصبهن الدور في الزواج إلى جانب مليونين ونصف من المطلقات والأرقام في زيادة كبيرة عاما بعد عام. ويطرح البازعي علم الاستغراب - أي معرفة الغرب - مقابلاً لعلم الاستشراق - أي معرفة الشرق - كما جاء في كتابات الشعراء الانجليز والكتاب الأمريكين ثم تبلورت في كتاب ادوارد سعيد الاستشراق (1975، 1990). يقول البازعي: «فالاستشراق في الثقافة الغربية يقابله استغراب في ثقافتنا، استغراب أعرفه على أنه جماع التصورات والمواقف التي تكونت في الثقافة العربية الاسلامية حول الغرب منذ بدء العلاقة الاسلامية المسيحية» (الاختلاف، ص 147). وقد يكون كتاب حسن حنفي علم الاستغراب جواباً مفيداً لما يدور بصدر البازعي. لكن جل ما يفعله حنفي في علم الاستغراب هو أن يستحضر الغرب في دفتي كتاب ويطرح عليه اسئلة الشرق وكذلك يضع في فمه أجوبة الشرق التي يرتأى أنها تروق لنا وتتناسب مع ما لدينا من موجودات الغرب. وهذا الجهد يذكر فيحمد لكنه يتدنى في المرتبة كثيراً عن جهد ادوارد سعيد في الاستشراق في طبعتيه (وهما يمثلان كتابين في الواقع). فقد خاطب حنفي جمهور المثقفين العرب، أما سعيد فقد خاطب كل العالم الناطق بالانجليزية وكل من تُرجم الكتاب إلى لغاتهم. وهذا يمثل فارقاً كبيرا في محتوى الخطاب وفي أثره أيضا.