لا أدري من أهنئ بمن ؟؟؟ أهنئ الوطن بما سيضاف إلى رصيده بمشاركة بناته العالمات الواعيات الواعدات من بناء ورفعة وفخر وإنجاز ؟؟ أم أهنئ المرأة السعودية ما ظفرت به من ثقة ثمينة –هي أهل لها– في قدرتها على المساهمة الفاعلة في التنمية الدافعة لعجلته نحو الرقي والتطور والتقدم. ثلاثون امرأة من نخب نساء البلد العالمات المثقفات تنيط بهن النساء اليوم الرجاء –بعد رجاء الله عز وجل– للمساهمة في النظر بواقعية لحل الكثير من قضاياهن، والحصول على مكتسبات تصب في صالحهن بعدالة وتوازن. هاهو الوطن ممثلاً في قيادته الرشيدة يقلد بناته عيون هذا الوطن ما هن أهله من حق المشاركة الطبيعية فيما يسهم بالوصول إلى أسدى القرارات باعتبارهن قسيم أفراده. عندما كنت أتصفح بفخر قرارات خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله– الأخيرة لمجلس الشورى، والسيرة الذاتية للمرشحات من النساء له، حضرتني الإشارة المالكية التي أطلقوها في ثنايا حديثهم عن النساء اللاتي لا يملك أحد إجبارهن على الزواج –حتى الأب-، حين ذكروا منهن المرأة المرشّدة، ويقصدون بها تلك التي رشّدها أبوها، بمعنى أنه أقرّ لها بحسن التصرف لنفسها حتى لا تحتاج إلى ولاية عليها. قلت حينها في أحد بحوثي، وهو بحث الأبعاد النفسية والاجتماعية في النظر الفقهي؛ تعليقاً على هذه الرؤية منهم: (ولعلنا من خلال هذه الشرارة المالكية نقرر دور التربية والتنشئة الاجتماعية في ترشيد الإنسان بصفته إنسانت بغض النظر عن جنسه، ذكراً كان أم أنثى. ولعلنا نقرر أيضاً أن الدور المناط بالمجتمع هو تعزيز ثقة المرأة وإيمانها بذاتها وقدرتها على انتقاء الصالح لها ولمن حولها ممن هم أهل صلة بقضيتها، قياساً على الإقرار برشد من رشّدها أبوها. رشد أفراد المجتمع ما هو إلا انعكاس طبيعي لترشيد المجتمع، وقد يُتخذ ترشيد المجتمع للرجل نموذجاً صالحاً للقياس عليه. فالمجتمع يُرشّد الرجل كجنس رغم أنه يوجد في آحاد الرجال من هو ليس براشد، بل وفي آحاد النساء من هنّ أرشد من بعض آحاد الرجال، والعكس صحيح. إذ الرشد حالة عقلية ونفسية لا تخلق في الفرد بحكمٍ خارجي منفك عن تأصلها في ذاته من خلال عوامل التربية والتنشئة، إضافة إلى الاستعدادات الشخصية. و ها هو الأب القائد –حفظه الله– يمنح المرأة السعودية التي بلغت أعلى الدرجات العلمية وشهد العالم بتميزها النظرة التي تليق بها، فكانت الشورى أول الغيث، ونتطلع بحول الله إلى مزيدٍ من هذه الثقة حتى نراها تقلدت القضاء؛ مساهمة في رفع معاناة المرأة في قضايا الأسرة. قد يحتج البعض بدعوى تحريم تقليد المرأة الولايات العامة والتي منها القضاء، مع أن المحتج يعلم أن توليها للقضاء ليس مقطوعاً بحرمته، بل هو قول بعض أهل العلم خالفهم فيه غيرهم. فكما هو معروف أن الحنفية رأوا في أحد القولين عنهم جواز توليها القضاء فيما يجوز لها الشهادة فيه – وهو ما عدا الحدود والدماء، وهو أيضاً قول ابن القاسم من المالكية فيما يرجحه أهل المذهب عند تفسير قوله بالجواز، وفي قولٍ آخر أجازوه مطلقاً، وهو قول ابن حزم الظاهري، وابن جرير الطبري. لا أزال أذكر الاحتجاج على دخول المرأة مجلس الشورى والمجلس البلدي لنفس الدعوى مع تجاهل المعترض رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى السيدة أم سلمة رضي الله عنها بعد صلح الحديبية ومنع قريش المسلمين من دخول مكة، ووقوفها دون تمكينهم من الوصول إلى الحرم الشريف. قرار الملك عبد الله –حفظه الله ورعاه– لهو وعي صارخ بالدور الهام الذي ستؤديه المرأة، واحتياج المجتمع إليه حيث لا يصادمه مسوغٌ شرعي قاطع يقتضي المنع. و نحن كنساء في هذا الوطن الغالي على ثقة من أن قيادتنا لابد أنها ناظرة ومقررة ما يصب في خير الوطن وجميع أفراده، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، فجزاها الله خيراً ولا حرمنا منها. * أستاذ الفقه وأصوله المشارك بجامعة الملك عبد العزيز بجدة