* نعيش في عصرنا الحاضر أحوال اختلاط الثقافات، وتصارع الحضارات.. كثير منّا تاه وسط تنافس الأفكار، وتشعب الآراء، وتعدد المذاهب. وقليل منّا من أدرك أن التمسك بأصالة ثقافتنا لا يعني التخلّف. بل يعني الوعي بأن الجذور الأصيلة هي الأساس. وأصالة ثقافتها وعظمة أصولها وفروعها تعود إلى أنها ثقافةٌ ربَّانيةُ المصدر (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا). إن ثقافتنا مصدرها الوحي من كتاب وسنة، (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى). إننا مطالبون بالانفتاح على الثقافات والتزاوج الفكري معها، لا بمحاكاتها وتقليدها دون تمحيص وتفكير ودون تلقيح صحيح لا تنشأ معه تشوّهات فكرية ومنهجية. * (نحن نعيش في عصر السرعة) عبارة اعتدنا أن نردّدها.. ونصف بها عصراً تلهث أنفاسنا ركضاً وراء خطواته المتسارعة المتلاحقة. نركض وراء كل شيء. ندعو إلى السرعة في كل شيء.. وإذا ما تأمّلنا الحياة التي مرّت بنا سنجد أن المواقف والظروف التي حملت لنا أحداثاً طارئة استدعت السرعة القصوى في الاستجابة والرد كانت قليلة جداً مقارنة بتلك الأحداث والمواقف التي تحمل لك معها هامشاً واسعاً للتمهّل في اختيار رد الفعل الأمثل، والاستجابة الأفضل، وأخذ نفس أعمق والتروّي قبل الإقدام. أنا لا أدعو إلى التسويف والتأجيل. بل أدعو إلى إعمال التفكير، وأخذ نفس عميق قبل إصدار قرارات قد لا تكون ناضجة!! فالتروي.. والتمهّل.. والتقاط الأنفاس قبل الشروع في التنفيذ لا يعني أن نتبنى سياسة البطء والتكاسل و(مطّ) الأمور!! كما أنه لا يعني أن نضيّع أياماً فيما لا يستحق سوى بضع دقائق من التفكير المتروّي. فكم منّا من تعجّل في قرار واتّخذه في لحظة استعجال فخسر، وما وعى خسارته إلاّ بعد أن هدأت أنفاسه المتعجّلة. وكم من موقف عشناه.. ظننّا أنه يحتاج منّا إلى استجابة أو إلى تفكير في استجابة ما.. وهو في الحقيقة لا يستحق أي نوع من الاستجابة.. أو أن (عدم الاستجابة) هو أقوى ردّ وقرار يمكننا اتخاذه تجاهه. * تتقلّب حياة كل منّا في المتاعب والمنغّصات كما لا تنفكّ تتقلّب في النعم أيضا. فلا يمكن أن تمرّ على الإنسان لحظة من لحظات حياته إلاّ وهو يتقلّب في نعم الله تعالى.. لكن عين الإنسان القاصرة ونفسه الجاحدة تحرمانه التلذّذ بنعم الله والتنعمّ بها.. ولا تنفك تغمسه في الشعور بالنقمة والسخط والرفض والإفلاس..!! وقد تفشّى ذلك في عصرنا اليوم!! وزاد سخط الناس وقلّ حمدهم وشكرهم على النعم التي ما عادوا يرونها!! ولا أستطيع أن أدرك ماذا جنى هؤلاء المتذمّرون بهذا الشعور؟.. وماذا حققوا؟.. هل صلح حالهم؟.. هل زادت موارد رزقهم؟.. إنني أجزم أن هؤلاء يعيشون كدراً ونكدا لا ينتهيان، ورزقهم كثيره مثل قليله لا يتسنى لهم أن يتنعّموا به، والبركة ممحوقة من مالهم وبدنهم ووقتهم وعلاقاتهم؟! وراحة البال اغتالتها مشاعر القلق والأرق وضيق الصدر.. ثم نراهم يتذمّرون مجدداً من اكتئاب يتعالجون منه أصبحوا يطلقون عليه (اكتئاباً مزمناً). ليتنا نضيف إلى قائمة العلاجات والعقاقير التي نتناولها لعلاج نفسنا الساخطة والاكتئاب والضيق أعظم عقار ودواء وهو (الحمد لله). [email protected]