رغمَ أنني لا أعتدُّ بالكَمِّ وإنّمَا بالكَيْفِ، إلاّ أنّ وجودَ 150 ألفَ طالبٍ وطالبةٍ سعوديين، يدرسونَ خارج المملكة على حساب الدّوْلة، يُعَدُّ مَكْسِبَاً كبيراً، لَمْ يعرِفْ لهُ تأريخُ التعليمِ العالي السعودي مثيلاً، وتزدادُ الأهميةُ إذا عَرَفَ المَرْءُ أمريْن: الأوّل: أنّ هذا العدد -كما قال وزيرُ التعليم العالي (د. خالد بن محمد العنقري)-: "يُمَثِّلُ أعلى نِسْبَة على مستوى العالَم، للطّلابِ الذينَ يدرسون بِمِنَحٍ حكوميّةٍ"، والآخَر أنّه "يَضَعُ المملكةَ العربيةَ السعوديةَ في: المَرْتبةِ الثالثةِ بَعْدَ الصين والهند، في أعدادِ الطلبةِ الدارسين خارج دولهم" (صحيفة الحياة، 3 ربيع الأول 1434ه، الصفحة الأولى). ما معنى هذا؟ ما تأثيراتُهُ الإيجابيةُ على حاضرِ تعليم المجتمع السعودي ومستقبلِه، وعلى التنميةِ المُسْتدامةِ فيه؟ أليسَ الاستثمارُ في الإنسان أهمَّ استثمارٍ فيه؟ أيُّ ثقافةٍ جديدةٍ تنجِمُ عن هؤلاء؟ إنّ الأفرادَ هُمُ الذين يُحددون مستقبلَ أيِّ مجتمع، وإنّ القيمَ الإنسانيةَ والاجتماعيةَ لا تنمو إلاّ في أحضان التعليم، إذاً المجتمعُ السعوديُّ أمامَ نقلةٍ نوعيّةٍ غيرِ مَسبوقة،فالتعليمُ العاليُّ لهُ أثرٌ بالِغٌ على سلوكِ الفردِ الذاتيِّ والاجتماعي، ووجود 150 ألفَ مبتعثٍ ومبتعثةٍ سعوديين قابلينَ للزيادة، يحتاجُ إلى وقْفة تأمُّل مِن: علماء الاجتماع، والمُرَبّين، والمفكرين، والمثقفين، والاقتصاديين، وأنتَ في زمنِ الشّهادات "وكُلما ارتفعتْ الشهادةُ ارتفعتْ القيمةُ الاجتماعيةُ للفرد، واختلفتْ النظرةُ إليهِ وَفْقَاً لدرجةِ تلك الشهادة، حتّى أصبحتْ معياراً للتقديرِ والاحترام الاجتماعي" وما أعنيهِ بالشَّهادة هُنا غيرُ المضروبة!! التى حازَ عليها بعضُهم بالتزوير، أمّا الشهادةُ المُتَأتيةُ مِن المعرفة العلمية الصحيحة "فهي دليلٌ على القيمةِ العلميّةِ للفرد، وما تَوَصّل إليه مِن معرفةِ في مجالِ تخصُّصه، وهذا يُكْسِبُهُ تلك القيمة والمكانةَ الاجتماعية". 150 ألفَ سعودي وسعودية يتلقوْن مختلِفَ التخصصاتِ العلميةِ خارجَ المجتمع السعودي، وفي مجتمعاتٍ مشهودٍ لها بالتّفَوُّق العلمي، هؤلاءِ قادرونَ على فَرْزِ الثقافةِ الفاسدةِ من الثقافة الرديئة، ويُخْطِئُ مَنْ يُجَادِلُ بِسُوءِ نِيّة في ذلك، فالوعيُ بهما وعياً رشيدا مُرَشَّداً، وقراءةُ نتائجِهما بِعُمْق، وتحليلُهما بتجرُّد، تُؤثِّر في سلوك الفردِ وفكرهِ تأثيراً إيجابياً، والصمتُ الطويلُ الذي رانَ على أبناءِ المجتمع السعودي في عصر ما قبْل النِّفْط انتهي، وسادَ الإنفاقُ المتعاظمُ على التعليم بشطريْهِ: العام والعالي. 150 ألفَ سعودي وسعودية هَيّأْتُمْ لهُمُ العِلْمَ، فهيؤوا لهُمَ العملَ، فإنّهُم سيقفزونَ بالوطن والمجتمع في: عصرِ السُّرعة، وإثبات المزيد من الذات. فاكس: 014543856 [email protected]