لكل شعب هوية وثقافة يعتز ويفتخر بها، وهي ما تميزه عن باقي وسائر الشعوب الأخرى، ومن أهم العوامل في إبراز الشعب وإبانة هويته هي لغة اللباس، فالزي السعودي عرف منذ القدم بأنه الثوب والشماغ، ولكن ما أصبحنا نراه اليوم من لبس الشباب لثياب في مسماها، ولكن في حقيقتها هي مجرد اسم فقط، ولكن دخلت عليها تعديلات قد تفقد الثوب اسمه المعروف، فأصبح المار يرى ثيابًا بجميع الألوان ليس هذا فحسب بل يرى بالثوب الواحد عدة ألوان وأشكال وتارة نجد ثيابًا ضيقة على الجسم وتظهر جميع تفاصيله، وأخرى نراها “مطرزة” وبها نقش لم يكن يعرف منذ القدم إلا عند النساء والآن أصبح الرجال ينافسون النساء عليها؛ السؤال الذي يطرح نفسه ويتساءل عنه معظم الناس: هل هذه الثياب ما زالت تمثل الزي السعودي أم أنها دخيلة عليه؟ أم أن عامل الزمان هو صاحب الكلمة ولا بد من التغيير بين جيل وآخر؛ “الرسالة” ناقشت هذا الموضوع مع بعض المتخصصين الأكاديميين والشرعيين والإعلاميين وكذلك أحد محلات تفصيل الثياب، وكذلك بعض الشباب فكان التالي: الدوافع الحقيقية بداية قال المستشار الإعلامي وعضو نقابة الصحافيين العالمية عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود الدكتور مالك الأحمد إن لبس الشباب لهذه الثياب أساسها ليس مخالفة الهوية الوطنية ولكنهم يرتدونها لإحساسهم بالفراغ النفسي والعاطفي. مبينًا أن القضية هنا تعود لنفسيتهم وفراغهم أكثر من كونها قضية ثقافية أضاعت هوية الثوب السعودي، فمعظم الشباب الآن نراه يبحث عن التغيير بعدة أشكال ومن ضمنها بطريقة لباسه، ونراه يحاول جاهدًا جذب انتباه الناس بأي طريقة والملابس هنا إحدى وسائل الجذب والانتباه التي يحاول الشباب التعبير من خلالها. إضاعة الهوية وأوضح الأحمد أن لبسهم للزي السعودي بهذا الشكل هو بلا شك خروج عن الثقافة العامة وإضاعة للهوية السعودية، ولكن الأهم من هذا كله معرفة قصد الشباب وهم بأنهم لا يريدون ترك الهوية أو مخالفة المجتمع بقدر ما يقولوه بطريقة غير مباشرة “شوفوني أو انتبهوا لي” ويريدون أن يظهروا للناس بشكل مغاير ومختلف. ونوه الأحمد أن المجتمع قد يبالغ بمقصد الشباب بأنها غير وطنية معللًا أن هذه الملابس يعود سببها الأول والأخير نفسيًا، ولكن على الشباب معرفة أن هذا الأمر يعطي صورة سلبية عن المجتمع وسوف يصبح المجتمع السعودي بلا هوية أو ثقافة وهذا الأمر سيئ بمعنى الكلمة وظاهرة سلبية غير محبذة. مطالبًا جميع من أراد إزالة هذه الظاهرة على تشجيع الشباب أولًا للانتباه لنفسه ويكون ذلك بتدخل مرشدين اجتماعيين ونفسيين وكذلك بعض الدعاة الشبابيين الذين يفضل الشباب الاستماع لهم، دون أن يكون جل التركيز على أسباب الدراسة والأهم هنا هو علاج الموضوع وذلك بقربهم من الشباب لإعطائهم التوجيهات في هذا الأمر. واختتم الأحمد أن ظاهرة هذه الثياب من الظواهر المتكررة وغير الجيدة، ولكنها في الوقت ذاته لا تخص منطقة دون أخرى، وكذلك هي تظهر بأوقات وتختفي بأخرى ولكنها مرتبطة بظروف اجتماعية ونفسية، ولا بد من الالتفات لهذه الظاهرة وعلاجها يكون باللين والنصح والإرشاد عن طريق الجمعيات وليست عن طريق القوة والقسر. سعودي منذ القدم من جانبه أوضح رئيس لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية بمجلس الشورى الدكتور عازب بن سعيد آل مسبل أن اللباس هو ثقافة الإنسان وتعرف شخصيته من زيه وردائه الذي يرتديه، ونحن بالمملكة العربية السعودية ولله الحمد قد عرفنا اللبس بأنه الثوب والغترة أو الشماغ وهو الذي أصبح زيًا سعوديًا ومعروفًا وقد كان منذ القدم زي العرب ولكنه تطور من زمن لزمن، وقد تطور العهد منذ الملك عبدالعزيز ولكنه باق على سمة معينة ويعكس الثقافة. وبين آل مسبل أن اللبس متى ما التزم بالشكل والصفات التي تعطي له الصفة الظاهرة والذي عرفه الناس به، موضحًا أنه قد صدر نظام خاص باللبس الموجود وهو من الأنظمة الموجودة بين الناس وكانت هناك أوامر سامية. وعبر آل مسبل أن التغيير الذي نراه في اللبس الآن أفقد المواطن السعودي هويته والثياب الحديثة التي أصبحنا نراها ليست الثياب التي عرفت منذ القدم وكانت تمثل هوية المواطن السعودي. مضيفًا بقوله: نعم اللبس الآن يعكس الصورة القديمة ولكنه لا يتدخل في جزيئاته ولا يعطي المنظر الأساسي للرجل وليس ذلك الثوب الذي يليق بالرجل السعودي ويعطيه الشكل المعروف. طريقة التوجيه وطالب رئيس لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية بمجلس الشورى جميع من أراد أن تعود هيبة الزي السعودي بأن يقوموا بتوجيه الشباب وإرشادهم عن طريق المربين والمصلحين الاجتماعيين. مختتمًا حديثه بقوله: عندما كان يحتضر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل عليه شاب مسبل إزاره فقال له عمر: “يا بني ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك، وأنقى لثوبك، والإسلام اهتم باللبس حتى لا يحصل هناك تشابه بين الرجل والمرأة. أما عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز البروفيسور حمزة علي سنوسي أبو جبل أضاف أن هذه الثياب التي أصبحنا نراها بين الشباب هي معقولة ولا تخدش ذوق الآخرين وكذلك لا تخدش الحياء، فهي وبلا شك لا مشكلة بها، وأنا أيضا على سبيل المثال أرتديها من باب التغيير. لكل مقام مقال وبين أبوجبل أن الثوب الأبيض دومًا ما يظهر عليه الاتساخ ومنذ قديم الزمان كنا نرى الناس تلبس الثياب غير البيضاء من أجل ظروف العمل والغبار لكن لا يظهر عليها الغبار والشوائب. واستنكر أبو جبل الثياب الضيقة والتي تظهر ملامح الجسم وكما يسميها البعض “المحزقة” التي تظهر المفاتن وهذه الثياب مرفوضة تمامًا وأنا أول الرافضين لها. ونوه البروفيسور حمزة بأنه على المؤمن الظهور بمظهر ولبس الحسن وكذلك طبيعة النفس تحب التغيير والتنويع والشخص الذي دومًا يلبس الثوب الأبيض فكأنه يكرر الثوب يوميًا وهذا ما اضطر البعض لتغيير ألوان الثياب لإحساسه بالتغيير، فمرة نلبس اللون البيج وأخرى الرصاصي وتارة الأبيض وأوقات نلبس الشماغ الأبيض وأحيانًا الأحمر ومرات نغيره ونلبس الغترة، فجميع هذه الأمور تساهم في إحساس الشخص بالتغيير والتنويع. مبينًا أن لبس الناس وبخاصة فئة الشباب لهذه الثياب هي أفضل من الاقتداء بملابس الخارج كالباس “اللويست” وبعض الملابس الغريبة العجيبة التي لم نكن نراها وانتشرت مؤخرًا فلبس هذه الثياب هو أفضل بكثير من السير خلف اللباس الغربي. وطالب أبو جبل جميع الناس بالظهور بمظهر حسن وبخاصة إن كان الشخص “قائدًا” لمجموعة فعليه الظهور بمظهر يليق به وبمجموعته وبخاصة بالأماكن الراقية كأروقة الجامعة والأماكن الرسمية والإنسان عليه الاهتمام بمظهره دون مخالفة الضوابط الشرعية، فهنا لا مشكلة بالموضوع، والإنسان عندما يكون ذا ذوق عال فاختياراته تكون متميزة. بقاء الهوية مبينًا أن هوية الثوب السعودي “لم تفقد” وأنها ما زالت باقية ولكن مع مرور الوقت تتغير الملابس عما كانت عليه بالماضي، فمثلًا منذ عهد الملك عبدالعزيز كانت الثياب مختلفة كليًا عما كانت عليه الآن فهي مجرد إضافة لمسات خفيفة ساعدت في تحسين مظهرها الخارجي، ضاربًا بذلك مثالًا أن الشباب الذين يلبسون الجينز والملابس الأخرى اثناء أدائهم لصلاة الجمعة نجدهم جميعًا يلبسون الثياب وهذا دليل على احترامهم لهذا الزي. مجرد وقتية أما أحد الخياطين بمدينة جدة ويدعى محمد علي فقد بين أن هذه الثياب فئة الشباب من يقبل عليها ويحاول ارتداءها ولكنها سرعان ما تنتشر بين الشباب وفي نفس الوقت سرعان ما تزول، ففي الفترة الماضية وقبل حوالى 5 سنوات كان الشباب يتسابق في تفصيل بعض الثياب بال”سستة” والآن زالت هذه الظاهرة وقبل 4 سنوات كانوا يركضون خلف الثياب “المطرزة” وتقريبًا هذه الظاهرة بدأت تزول، وخلال السنتين الأخيرتين بدأ الشباب في لبس الثياب الملونة ولكنهم سرعان ما سيتركونها. .. وللشباب آراؤهم.. الشاب رامي منصور بين أن هذه الملابس هي من تدل على شخصية الشخص وكل شاب يلبس ما يحلو ويروق له، مضيفًا بقوله: دائمًا أحب أن أكون منفردًا ومتميزًا بشخصيتي لأنها هي من تفرض علي هذا الشيء، وكذلك أحب أن أختار وأصمم ثيابي بنفس لأنها تناسب ذوقي وشخصيتي. الشاب مهند عصام جميل: هذه الثياب هي لغة الشباب غير المنطوقة، فأكثر الشباب نجد به طاقة ولا يستطيع تفريغها إلا من خلال هذه الأشكال الجديدة من الثياب، سواء أكانت الموديلات جديدة أو قديمة ولكن لا نحب أن يكون مبالغ فيها. أما عبدالرحمن أحمد فقد نوه بأن هذه الثياب هي مجرد “موضة” تنتشر بين الشباب بسرعة الضوء وفي نفس الوقت هذه الموضة سرعان ما تزول، لكن إن بحثنا عن أسبابها الرئيسية فهي عبارة عن التزيين والتجميل والظهور بمظهر حسن و “شبابي”.