بالرغم من كثرة رحلاتي الخارجية والداخلية كمُدرّبة للمشاريع الصغيرة، تظل زيارتي لمكة لها مذاق خاص، فمكة مدينة لا تشبه غيرها من مدن الدنيا، لها خصوصيتها في كل شيء: أسواقها، جبالها، ناسها، وأنسها.. كل شيء في مكة يفرض عليك الشعور بأنك في مكة. أفرحني وأطربني قرار صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكةالمكرمة بمحو الأسماء العجمية من مدينتي المكّاوية. ولا يعني هذا عدم الاكتراث بمدينة جدة التي عشتُ فيها مراحل دراستي، وتجارتي، وكتاباتي، ونجاحاتي، ويُسْر بعد عُسْر، وراحة بعد عناء. بعد هذه النبذة القصيرة التي لم يكن منها بدٌّ، أعرضُ فيها تجربتي (المكّاوية) مع لجنة حرفيات مكة، لأُدلِّل بها على أهمية ما سلف ذكره، وأن مكة وأهلها (ثروة) معنوية لصاحبتها. (1) مكة في خارطة وجداني - مكة لها في خاطري مكانةٌ مضيئةٌ من الذكريات، لا تغرب تفاصيلها عن البال، مدرستي العاشرة الابتدائية في حارة الباب، ودكان والدي في سوق الصغير، وبيتنا في جبل عمر، ففيها وُلدتُ، وعلى ترابها نشأتُ، وفي جبل عمر انضممتُ لكُتَّاب الماحي الذي كان أكبر داعم لتعليمي المبكر، ومهما تنوَّعت مَواطن إقامتي التي تلت (مغادرتي)، يظل القلب يخفق احتفاءً بتلك الذكريات، وأشهد أن تلك الأماكن المكّاوية مواسم في حياتي أسهمت في تشكيل شخصيتي! (2) - كنتُ أحرصُ في لقائي بحرفيات مكة الأسبوع الماضي أن أبقى أطول وقت معهن، استمعُ إلى أعمالهنّ وإبداعهنّ، يحدثنني عن مخزون أحلامهنّ في المشاريع الصغيرة، ونسدد ونقارب في معوّقات الحرفيات. وأحسبُ أنّ من أكثر الذكريات حميميةً وحضورًا في وجداني مشهدَ تلك السيدة الستينية، وهي تطلب المشاركة، ثم تناديني بأعلى صوتها يا بنت، (فتوقفتُ عن التدريب) كي استقبلها، وأهنأ بنعيم حضورها، وهي تشرحُ مهنتها التي تمتهنُها، وهي مهنةُ البناء، وهي فخورةٌ أنها مارست البناء مع أسرتها، وقد استبدلت البناء بالخياطة. - اليوم أقول -وبكل زهو- إن التصاقي ب(مكة) في مطلع حياتي قد ألقى بظلاله عليَّ فخرًا.. وستبقى مكة (بوصلةً) يهتدي بها قارب حياتي. [email protected]