سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هنا لندن.. (75) عامًا من البث العربي كانت إذاعة لندن العربية مقصد المتلقين العرب لمتابعة الأخبار العربية؛ بسبب عدم صدقية أغلب الإذاعات العربية واقتصارها على الأخبار الإيجابية فقط
تأسست الإذاعة البريطانية عام 1923م باسم شركة الإذاعة البريطانية، وفي عام 1927م تحول اسمها إلى هيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C) وكانت إذاعة مسموعة ثم أضافت التلفزيون عند ظهوره، ثم الإنترنت، فهي تبث الآن بثلاث وسائط إعلامية: إذاعة وتلفاز وإنترنت. وفي عام 1938م بدأت الخدمة العالمية أي البث بلغات أخرى عدا الإنجليزية، وكان أولى هذه الخدمات القسم العربي الذي بدأ في 3 يناير 1938م، وقد بدأ بافتتاحيته الشهيرة «هنا لندن» التي أطلقها بصوته المذيع «أحمد كمال سرور» في أول إعلان للبث العربي من هيئة الإذاعة البريطانية، وظل القسم العربي حتى اليوم هو الخدمة الإذاعية الكبرى بعد اللغة الإنجليزية. وقد بدأ هذا القسم بالبث ساعة واحدة يوميًا، ووصل عام 1990م عند بدء حرب الكويت إلى 18 ساعة، ثم صار البث 24 ساعة مع بدء حرب احتلال العراق عام 2003م، أما البث التلفزيوني فبدأ عام 1994م ثم توقف ليبدأ مرة أخرى عام 2008م، وبدأ بث النت 1998م. كانت إذاعة لندن العربية مقصد المتلقين العرب لمتابعة الأخبار العربية بسبب عدم صدقية أغلب الإذاعات العربية واقتصارها على الأخبار الإيجابية فقط وعدم إيراد أي خبر سوى ذلك حتى لو كان عن غيرها من الدول العربية إلا إن وجدت خصومة بين بلدين، وفي هذه الحالة أيضًا يفتقر الخبر للمصداقية إن لم يدخل إلى ساحة الافتراء وعدم الدقة والمبالغة أحيانًا، وهكذا إما مديح أو ذم. وإذاعة لندن لم تكن تبث أخبارًا صادقة بل هي تدس السم في العسل بالنسبة لأخبار العالم العربي، ولكن المهنية الإذاعية جعلت صياغة الأخبار تجذب المستمعين، وإن كان أكثر الأخبار يأخذ جانب الحياد، وفي كل الأحوال هي ملتزمة بالسياسة البريطانية إبان الاستعمار وبعده، وهي البقية الباقية من الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. احتفل القسم العربي بمرور (75) عامًا على إنشائه، واستعاد مقطوعات من برامجه التي كانت تجذب المستمع العربي: إخبارية وسياسية، وثقافية، وعلمية، ودرامية، وترفيهية، ومن أبرزها البرامج التفاعلية التي كانت تحظى بمتابعة كبرنامج «السياسة بين السائل والمجيب»، وبرنامج «رأي المستمع» وبرنامج «حديث الساعة» وغيرها، ومن أشهر البرامج الثقافية برنامج «قول على قول» الذي كان يعده ويقدمه حسن الكرمي. عمل في القسم العربي مذيعون عرب كانوا قامات سامقة في الفن الإذاعي، وظلت أسماؤهم إلى الآن مخلدة لما تميزوا به من ثقافة عالية، وصوت إذاعي، وأداء مميز، مما جعلهم أساتذة في التاريخ الإذاعي تتلمذ عليهم كثير ممن كان يسمعهم، وكل ذلك إلى جانب القدرة الإذاعية لديهم يعود إلى ما تميزت به هيئة الإذاعة البريطانية من مهنية وتقاليد إذاعية راسخة في التحرير لا تتغير بتغير مجلس الأمناء الذي يقود هذه الهيئة، فنظامها نظام صارم في التقاليد الإذاعية، ولذا بقيت هذه الهيئة بعيدة عن المنافسة إلى اليوم، وقد حاولت بعض الفضائيات العربية -وبعضها خرج من جعبتها- أن تقلدّها لكنها ما لبثت أن ارتكست إلى وضع الإعلام العربي، فصارت منحازة أو محرِّضة لأنه لم يوجد نظام كنظام هيئة الإذاعة البريطانية لا يتقلب بتقلب السياسات ولا يتغير بتغير الأشخاص، ولذا فإن هيئة الإذاعة البريطانية ستبقى بقوة في الساحة الإعلامية بدون منافس، وهذا لا يعني موضوعيتها في المحتوى، ولكن يعني مهنيتها في الأداء والإدارة والنظام. هذا النهج الإعلامي غير المتقلِّب هو ما حفظ لها البقاء في القمة المهنية دون أن يؤثر على رسالتها التي لم تتزحزح عنها في خدمة السياسة البريطانية. [email protected]