تعيش الأسر هذه الأيام مرحلة عصيبة تسابق فيها الزمن، وتستنفر فيها الطاقات يخضع فيها الأبناء للمراقبة والمتابعة، فيما يعكف الأبناء -في جو نفسي مليء بالقلق والتوتر- على استذكار دروسهم ومناهجهم، وفي جانب آخر تملأ أرجاء المدارس استعدادات متكاملة لاستقبال آلاف الطلاب والطالبات لأداء الاختبارات المقررة. وفي الاستطلاع التالي يتحدث مختصون ل "الرسالة" عن الآثار النفسية لمرحلة الاختبارات على الأسر والطلاب، والأبعاد التربوية والاجتماعية في هذه القضية، والآداب الشرعية التي ينبغي أن يتحلى بها. يشير الاختصاصي الاجتماعي والمستشار الأسري تركي بن محمد المولد إلى أنه في هذه الأيام ينبغي على الأسر توفير الجو العائلي الحاني والآمن لأبنائها، والتفاعل الاجتماعي اللطيف الودود، وتخفيف الضغط النفسي عن أبنائها بالعبارات التشجيعية وبث روح الثقة في أبنائهم، وتحفيزهم بابتسامة الرضا والأمل، والقناعة بقدراتهم على اجتياز هذه الامتحانات بكل ثبات، وتحقيق النجاح. وأضاف المولد أن لبث تلك المشاعر أثر بالغ في الاستقرار النفسي والاجتماعي للطالب، ومساعدته على التركيز واستدراك الدروس، ودخول الامتحانات بكل طمأنينة وثبات. وتساءل المولد لماذا لا نستقبل الامتحانات بابتسامة الأمل والتفاؤل، والإصرار على اجتيازها بكل سهولة؟ وألمح المولد إلى أنه حين تأتي الامتحانات يضطرب الاستقرار الأسري؛ فنجد الكثير من الأسر عند دخول الامتحانات تعيش في حالة نفسية واجتماعية مضطربة خوفًا من هاجس الرسوب، وعدم حصد درجات النجاح، لذلك يشحن الآباء الجو الأسري بعبارات تشجيعية وتحفيزية لكنها بصفة الأمر مثل: (ذاكر دروسك)، (إذا لم تذاكر لن تنجح)، (لن نشتري لك الشيء الذي طلبته إذا لم تنجح)، (لن تلعب مع زملائك إذا رسبت في الامتحانات)، وهكذا، ويؤكد المولد أن هذه العبارات هي عبارات تهديد ووعيد للطالب تعكس لديه حالة من القلق والخوف والإرباك وعدم الثقة بقدرته على تحقيق النجاح، مما ينعكس سلبًا في عدم التركيز في الدروس، وعدم الاستيعاب؛ فيلجأ الابن إلى الانطواء على ذاته، والتفكير الطويل، ومحاولة مسابقة الزمن للقراءة أكثر، والسهر لساعات متأخرة من الليل وإجهاد نفسه أكثر من اللازم. مفاهيم مغلوطة ومن ناحية نفسية كشف استشاري الطب النفسي بمستشفى حراء العام وعضو الجمعية العالمية في الطب النفسي الدكتور رجب بريسالي أن فترة الاختبارات تعرف علميًا بأنها حالة انفعالية عصبية ونفسية نتيجة لإفراز مادتي الأدرينالين والنور أدرينالين في الدم والتي تؤدي إلى شعور الفرد بخفقان القلب مع توتر وتحفز شديدين إضافة إلى عدم القدرة على النوم الجيد وفقدان الشهية للأكل وقلة التركيز. ويضيف بريسالي أن هناك نوعين من القلق: الأول ايجابي ومؤقت يساعد الشخص على الاستذكار ويحفزه على الاجتهاد, أما النوع الآخر فهو القلق السلبي الذي يؤدي إلى حدوث انشغالات عقلية معرفية نفسية وجسدية سالبة، تتداخل مع التركيز المطلوب، وعدم القدرة على أخذ القسط الوافر من النوم والراحة الجسدية اللازمة والضرورية, مما يؤثر سلبًا في المهام العقلية والمعرفية لدى الشخص. وعن كيفية التغلب على القلق السلبي من الاختبارات وإيجاد التركيز اللازم في أداء الاختبارات يذكر بريسالي أنه لا بد أولًا من الاتكال على الله وحده مع الإكثار من الدعاء وطلب التوفيق منه تعالى. ثانيًا: الاستعداد المبكر للامتحان على أن تكون فترتها هي للمراجعة فقط. ثالثًا: تنظيم الوقت؛ فقد أثبتت كل الدراسات الاجتماعية أن الأشخاص المنظمين هم الأقدر على التركيز الجيد والتفوق الدراسي، ويضيف بريسالي رابعًا: النوم والتغذية الجيدة، والبعد تمامًا عن السهر. ويشير بريسالي أن هناك علاقة بين الدراسة والنوم المبكر والاستيقاظ المبكر. وحول استخدام بعض الأدوية والعقاقير يوضح بريسالي أن الكثير من العامة لديهم بعض المفاهيم المغلوطة حول جدوى العقاقير النفسية, وأنها غير فعالة، كما أن البعض يعتقد بأنها مهدئة فقط. وقد تؤدي إلى الإدمان، وفند ذلك بريسالي حيث أوضح أن الأدوية والعقاقير النفسية تنقسم بشكل عام إلى ثلاث فئات: فئة المطمنات الكبرى؛ وهي لا تسبب إدمانا على الإطلاق، وتستخدم في علاج حالات كثيرة يأتي في مقدمتها الفصام العقلي. وفئة المطمنات الصغرى: وأهمها كالفاليوم والزانكس وغيرهما، وهذه الأدوية قد تؤدي إلى التعود عليها إذا أسيئ استخدامها من قبل المريض، أو تم تناولها لفترات طويلة، لذا يحرص الأطباء إلى صرفها في نطاق ضيق ولفترات زمنية محدودة، وفئة ثالثة تسمى مضادات القلق والاكتئاب، وهذه أثبتت فعاليتها في علاج أكثر من 90% حالات الاكتئاب والقلق النفسي والرهاب الاجتماعي وكذلك الوسواس القهري، مشيرًا إلى أن العلاج باستخدام الصدمات الكهربائية يعتبر من العلاجات النفسية الفعالة نظرًا لسرعتها وسلامتها كما أنها آمنة ولا تؤثر إطلاقًا على حياة المريض. آداب شرعية وعن الآداب الشرعية يؤكد الباحث الشرعي عبدالنافع زلال أن أيام الاختبارات بالنسبة للطلاب هي أيام عصيبة نظرًا لما تتطلبه من الاستعداد والإعداد والتهيؤ، وبالتالي فهي تبعث في نفوس كثير منهم همًا وقلقًا وتوترًا؛ ويشير زلال أنه لأجل التعامل الإيجابي والمناسب مع مثل هذه الحالات، ولأجل أن يتجاوزها الطالب بأحسن حال، ويخرج منها بنتيجة مرضية هناك عدة أمور وآداب شرعية ينبغي له أن يراعيها ويلتزم بها وأهمها الاستعانة بالله والالتجاء إليه بالدعاء، كما أشار زلال إلى أهمية الجدُّ والاجتهادُ في كل شأن من شؤون الحياة، والاختبارات من الأمور التي تتطلب مزيدًا من الاجتهاد وبذل الجهد، وحسن تنظيم الأوقات واستغلالها في المذاكرة والمراجعة. كما ذكر زلال بالتماس رضا الوالدين، وطلب الدعاء منهما، كما دعا زلال الطلاب إلى الحفاظ على الأذكار المسنونة، كذكر الخروج من البيت، وذكر البسملة مع بدء الاختبار، كما دعا إلى تجنب بعض الأذكار غير المأثورة في السنة النبوية، وتجنب تناول المواد أو العقاقير المنبهة التي تضرّ بالصحة، وأوصى زلال الطلاب بالإكثار من ذكر الله تعالى، فإنه مما يطمئن القلب، ويذهب القلق والهمّ والتوتر. كما حذر زلال من التهاون في الصلاة بسبب الانشغال بالمذاكرة وأن بعض الطلاب ربما يفوّت بسبب انشغاله بالمذاكرة، كما حث على أدب اللسان، وتجنب الغضب والسباب والشتائم، واستخدام الكلمات النابية في بيته، أو مع زملائه. وحذر زلال من الغش الذي نهى عنه الإسلام أشد النهي. وأشار زلال إلى أهمية الأخذ بالأسباب المشروعة من الاستعداد والتهيؤ، واستفراغ الجهد في حل الأسئلة، ثم التوكل بعد ذلك على الله، ويرضى بما يحصل عليه من النتيجة، فإن كانت مرضية له، حَمِدَ الله وأثنى عليه، وإن كانت غير مرضية لم يتحسّر، ولم يتأفّف، فإن ذلك لا ينفعه، ويحاول أن يتفادى التقصير الحاصل في الفرص القادمة. ..ودراسة: ارتفاع نسبة القلق السلبي لدى معظم الطلاب أجريت دراسة نفسية على عينة كبيرة من الطلاب العربية، وأوضحت تلك الدراسة ارتفاع نسبة القلق السلبي لدى معظم الطلاب في مختلف البلدان العربية، وقد عزت الدراسة ذلك إلى كون الامتحانات وسيلة تقويمية يتقرر على ضوئها العديد من المواقف المصيرية المستقبلية كالالتحاق بالجامعة والحصول على الوظيفة المناسبة....الخ دون النظر إطلاقًا لاعتبارات أخرى كالمشاركة، ومستوى الأداء للطالب خلال كامل الفصل الدراسي، والاعتماد فقط على نتيجة الامتحانات النهائية، كما بشينت تلك الدراسة أن المدرسة وكذلك الجامعة تسهمان بشكل مخيف في ظهور تلك المشكلة، والتي غالبًا ما تكون مقترنة بالتهديد والتخويف من قبل أعضاء هيئة التدريس, كما قد يلجأ بعض المدرسين إلى وضع أسئلة تعجيزية انتقامًا أو تحديًا للطلاب مما يعزز من حدوث وتفاقم المشكة.