* هل يمكن الحديث عن نهضة تعليمية.. أو عن تطوير في ظل وجود معلم محبط؟!.. وهل من الإنصاف المطالبة بمُخرج تعليمي جيّد من بين يدي معلم يشعر بالغبن لأنه يعتقد أن بعض حقوقه مسلوبة؟! * في سبعينيات القرن الماضي ومع بداية الطفرة الاقتصادية الأولى.. وجدت وزارة المعارف -آنذاك- نفسها في مأزق كبير.. فقد ظهرت الحاجة لمئات الآلاف من المعلمين لتغطية التوسع الكبير في أعداد المدارس؛ الذي فرضته خطط التنمية.. ولم تجد الوزارة حينها - في ظل العزوف عن الالتحاق بمهنة التعليم التي لم تكن تختلف ماليا ووظيفيا عن بقية وظائف الدولة- بُدًا من تمييز المعلم، وإغراء الشباب بحزمة من الامتيازات المالية والوظيفية.. الأمر الذي ساهم في تحقيق قفزة تعليمية كبيرة، واكبت الطفرة وساندتها وتناغمت معها. * كان توجه الوزارة في ذلك الوقت -وبشهادة المعلمين أنفسهم- توجها جاذبًا.. أما اليوم -وبشهادة المعلمين أيضًا- فقد اهتزت حبائل الثقة -إلى حدٍّ ما- بين الوزارة والمعلمين، ووصل الحال إلى المواجهة في ساحات القضاء.. وبات الكثيرون منهم يتهمون وزارتهم علنًا بأنها تتخذ توجهًا تطفيشيًا مناقضًا لتوجه السبعينيات.. ويستدلون بعدد من القرارات لعل آخرها كان قرار الأسبوع الماضي، الذي قلّص إجازة المعلم (وهي احدى أهم مميزاته الوظيفية) لتصبح 36 يومًا فقط.. لا يملك حتى حق اختيار وقتها!. * القضية -أيها السادة- ليست قضية مزايا مالية.. أو إجازات بقدر ما هي مسألة تفهم لطبيعة العمل التعليمي الشاق والمرهق بشهادة خبراء علم النفس الذين وضعوا قطاع التعليم في مقدمة القطاعات المسببة للاكتئاب، ويؤكد ذلك جملة النتائج الصحية والأعراض الجسدية والنفسية، مثل القلق والتوتر، والإنهاكات النفسية.. وتذهب التقارير إلى أن سبعة من كل عشرة معلمين ساءت صحتهم بسبب ضغوط المهنة، وأن ثلث المعلمين يأخذون إجازات مرضية كل عام بسبب الضغوط التي لا تنتهي. * إن أي عملية تطوير تتجاهل المعلم، أو تتجاهل درجة الرضا الوظيفي لديه تبقى مجرد هدر لا طائل منها.. فإذا كانت الصحة والتعليم هما المعيار الأول لقياس مدى تطور أي دولة.. فإن الاهتمام بالمعلم هو المعيار الأهم لقياس مدى تحضر أي أمة. * عندما خرجت اليابان من الحرب العالمية منكسرة ومحطمة.. لم يجد اليابانيون طريقًا للنهوض سوى التعليم.. ولأن بلادهم التي دكتها أمريكا بالقنابل الذرية كانت حطاما تذروه الرياح، لا مدارس ولا مناخ تعليمي يمكن الاعتماد عليه.. فقد راهنوا على المعلم.. ورفعوا الشعار الشهير Each One Teach One.. وما هي إلا سنوات حتى عادت اليابان قوة اقتصادية عظمى تنافس خصمها اللدود أمريكا بل وتتفوق عليه. * لم يكن الشاعر/ المعلم (إبراهيم طوقان) حالة خاصة في تذمره من هذه المهنة الشاقة حين قال: (يا من يريد الانتحار وجدته.. إن المعلم لا يعيش طويلا).. فطبيعة عمل المعلم التي يشق على أي موظف القيام بها.. كانت سببا في عزوف الكثيرين عنها في السابق.. ما دعا المسؤولين المتقدمين إلى منحهم هذه الميزات.. التي يحاول المتأخرون تقليصها، بمنطق أن المساواة في الظلم نوع من العدل. [email protected]