يعد قوز أبو الدفوف من معالم محافظة رنية أحد عجائب الطبيعة، حيث ارتبطت تلك الكثبان أو كما يسميها سكان المحافظة «قوز أبو الدفوف» بالعديد من الأساطير، ودارت حوله الكثير من الروايات، منها أنه يصدر صوتا يشبه صوت الطبل أو الدف، ولذلك أخذ اسمه من ذلك الصوت. وقوز أبو الدفوف عبارة عن كثبان رملية ضخمة عالية الارتفاع تقع في الجهة الجنوبية من المحافظة على بعد حوالي 15 كلم، ويراها المسافر من رنية إلى بيشة على يساره. يقول الباحث والمؤلف فهيد عبدالله السبيعي (أحد المهتمين بدراسة تاريخ محافظة رنية) قوز أبو الدفوف كثيب رملي عالٍ معروف بطرف رملة حنجران التي هي جزء من عروق سبيع، وهذا الكثيب معلم من معالم محافظة رنية وتنسج حوله بعض الأساطير، كما يبدو من مسماه «أبو الدفوف»، وقد وقف عنده طويلا الباحث والمؤلف البريطاني هاري سانت جون فيلبي الذي أصبح اسمه بعد أن أسلم عبدالله فيلبي، وكان فيلبي قد زار رنية في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، وفي إحدى الزيارات أقام في رنية خمسة أيام، وقد تجول في تلك الأيام في ربوع رنية، وكتب الكثير من الصفحات في كتابه، وأفاض بذكر معالمها ونواحيها وجبالها وأوديتها ورمالها. وأضاف السبيعي: أن فيلبي قال في كتابه: لم تتكرر زيارة الباحثين الأجانب إلى رنيه، وأول من فعل ذلك كان ليوبولد فايس، وهو صحفي استرالي مسلم، وقد قضى ليلة في رنية سنة 1927م، ويقول فيلبي في كتابه «النجود العربية»: وقد قررت أن أتفحص الغموض الذي يلف (أبو الدفوف)، فما إن توقفنا عن المسير عند أسفل الكثبان حتى تسلقته، ومع دليلي محمد (من رنية) إلى منحدره الرملي، تاركين بقية الرفاق يشرفون على إعداد المعسكر وإعداد وجبة العشاء, وكانت عملية الصعود صعبة رغم أن الانحدارات السفلى كانت ذات أشجار فيها الغضاء والرمث وحشائش نجيلية. ويستطرد فيلبي: صعدنا حافة كحد السكين، حيث بدا لنا أن الصعود سيكون سهلا مقارنة مع المنحدرات الأخرى، على أي من الجانبين، كان ارتفاع التل 500 قدم، واستغرق وصولنا إلى قمته أكثر من نصف ساعة، وكانت هناك رياح شرقية قوية دافعة ذرات الرمال نحو القمة، وظهرت الشمس منخفضة جدا، وبدأت تطل من خلال الغيوم في ضعف وكأنها مريضة.. وفي قمة الكثيب شاهد فيلبي الكثير من المعالم التي ذكر مسمياتها صحيحة، لأن معه من سكان المنطقة من يرشده، ويقول: وقد خيب ظني هذا الكوم الكبير من الرمال الذي بدا وكأنه لا يرغب في إطلاق الموسيقى التي كنت قد توقعتها، وحتى بعد محاولاتنا دفعها لذلك بتحريك كتل الرمل إلى أسفل منحدراته، وقد تخلينا عن المحاولة، وقررنا العودة إلى المعسكر أنا ومحمد، وأخذنا نتزحلق عن طريق المنحدر الشديد، حتى نوفر على أنفسنا مشقة السير إلى أسفل، سالكين الطريق الذي صعدنا نفسه، وكان السفح حقيقة منحدرا وعرا جدا، وكانت الرمال ناعمة بالدرجة التي تسمح لنا بالانزلاق، ولذلك لجأنا إلى تحريك أرجلنا وأيدينا بقوة ليساعدنا ذلك على الهبوط والحركة فوق الرمال، بدأت بعض الظواهر تقع حينما هبطنا بهذه الطريقة إلى حوالي 30 أو 40 قدما، حيث أطلقت كل انزلاقه أزيزا واضحا ومرتفعا وكأنه همهمة ماكينة سيارة، بلا شك لا يوجد في هذا الأزيز ما يشبه إيقاعات الطبل، غير أنه تواصل الصوت لثوان قليلة، وكنا حينها ننزلق بالفعل، وحتى إذا ما توقفنا توقف الصوت، وحينما شرعنا في انزلاقة أخرى ظهر الصوت مرة أخرى، وبدا لي أن الصوت يبث من كعوب رجلي أثناء شقها الطريق خلال الرمل، ولكن الصوت الذي يصدره محمد بالطريقة نفسها كان مختلفا عن الصوت الذي صدر مني، فشك كلانا في إنتاج الكورس العام الذي تأكد لنا حدوثه في نايفة الربع الخالي، وربما أثرت الأمطار الأخيرة على الإيقاع الموسيقي للرمال، ولكن نجاحنا المحدود أكد السبب في تسمية التل باسم «أبوالدفوف». ويشير السبيعي إلى أن الكاتب البريطاني شارلز دوتي كتب حول هذا الموضوع قائلا: إنها تنهار يقصد الرمال تحت أقدام المارة، فتخرج منها أصوات يزداد ارتفاعها كالرنين الذي يحدثه قرع ناقوس ضخم. يقول الباحث السبيعي إن المتقدمين من العرب حاولوا كشف حقيقة هذا السر، فنرى ابن منظور المتوفى سنة 711ه يقول: العزف والعزيف صوت في الرمل لا يدرى ما هو، وقيل هو وقوع الرمل بعضه فوق بعض، ورمل عازف وعزاف مصوت، ومنه رمل عازف، كما ورد في شعر ذي الرمة عندما قال: «وعيناء مبهاج كأن إزارها.. على واضح الأعطاف من رمل عازف» وفي رسالة خاصة بعث بها فيلبي من الرياض إلى صديقه جاري أوين في أرامكو بالظهران تاريخها 1369ه 21/2/1950م يذكر فيها انه أرسل إليه نموذجا من «الرمل المغرد» من موقع قرب بدر جهة المدينةالمنورة، وأنه عرف بظاهرة من هذا النوع في موقع «نايفة» من بقاع الربع الخالي وفي «أبو الدفوف» على بضعة أميال من رنية جنوبا، وهو يعتقد أن جبل الناقوس على سفح سيناء هو من هذا القبيل، وقد ذكر ذلك للورد كرزون في كتابه «قصص سياحية»، وهذا يؤكد أن هذه الظاهرة موجودة فعلا، لأنه ذكر ثلاثة مواقع في الجزيرة العربية والموقع الرابع في مصر، ويقول فيلبي: من الثابت أن ظاهرة الغناء هذه كانت معروفة منذ 14 قرنا، وربما كان للتل الرملي نواة من حجر بركاني تشكلت كلوحة لترديد الصدى، ويشير السبيعي إلى أن سكان محافظة رنية يعرفون هذا التل وما يسمع عنه من أساطير ومن أصوات كالرعد أو الدفوف، كما يسمونه الآن، ولعل اسمه قديما كان «عزاف». وللوقوف على الأمر زارت «المدينة» الموقع وتجولت فيه، وكان قريبا من وصف فيلبي تماما، ولكن لم نسمع اصواتا في الموقع، بينما معظم كبار السن الذين سألناهم عن حقيقة تلك الأصوات أكدوا سماعها، وخاصة في ساعات الظهيرة، وعلل بعضهم ذلك بأن هذا الموقع يعود لأقوام قد تعرضوا لغضب الله ودفنوا في هذه المواقع، بينما قال آخرون إنه صوت الرياح.