السائل (عبدالعزيز حسن): لماذا لا نستفيد من مقرّرات اللّغة العربيَّة في مدارسنا وجامعاتنا؟ الفتوى 72: أجدتَ في سؤالك المطوّل، وقد اختصرته على نحو ما رأيت، وهو سؤال يدور على ألسنة الغيارى، يعتلج في صدورهم، وسأجيب عنه بتوسّع، وأضع في الإجابة الدّاء والدّواء، والمشكلة والحلّ، بحسب ما أفهم، وعلى قدر ملكتي، وغاية علمي. إنّ شكوى أبنائنا وبناتنا بلسان حالهم وقالهم من صعوبة مقرّرات النّحو، أو من ضعف أساتذتها، أو من سوء طريقتهم في تدريسهم، أو من جفائهم في تعاملهم، أو قلّة اعتنائهم بها وبطالبيها، أو الجهل بأسرار جمالها ومخبوء محاسنها، أو كلّ ذلك، أو جلّه، أو غيره .. إن شكواهم من ذلك كلّه قائمة مرفوعة في ديوان جليل، في محكمة سيبويه والخليل، ولقد أذكرني سؤالك هذا بسؤال سَألتُه منذ سنين وطرحته مرات، وهو: ما بالنا نعلِّم أبناءنا مادة النحو من السنة الرابعة الابتدائية إلى آخر سني تعليمه، ولا يخرج منها بشيء، أو لا يخرج منها إلاَّ بتحصيل قليل لا يوصله إلى مرتبة نصف نحويّ (ونصف نحويّ يفسد اللّسان) كما قيل، وربّما خرج حانقًا عليها، أو وصمها بالعقم؟! وقلت لأحد الطلبة: أيُّما أيسر لديك، تعلّم اللّغة العربية أم تعلّم لغة أخرى؟ فبادرني بالجواب ولم يتلكَّأ، قائلاً: إنّ تعلّم لغة، بل لغتين أجنبيَّين أيسر عليَّ وأنفع. وبالأمس القريب سألتُ طالبًا عربيًّا ممّن كان أجداده يستشهد بكلامهم، قلت له: كيف علمك باللّغة؟! قال لي: أيّ لغة؟ قلتُ: العربية. خطر بباله لغة أخرى؛ لأن العربية صارت بعيدة عن الأذهان، لا تتبادر إليها إلاّ بقرينة، أو وصف، ولا ينصرف إليها عند الإطلاق، ونحن لا نعيب على مَن تعلّم أيَّ لغة من اللغات الأخرى إذا كان في تعلّمه ما ينفعه في دينه أو دنياه، فاللّغات كلها من خلق الله، واختلاف الألسنة من آياته، وإنّما نصبّ أنواع العتاب على مَن زهد في لغته، ولغة دينه، وكتاب ربّه الذي يزداد معرفة به، وإيمانًا حين ينوخ ببابها، ويغوص في لجج بحارها وعُبابِها، ويذوق حلوَ فراتها وعِذابِها، ويرشف من ماء ظَلْمها ورضابها، ولهذه المسألة تتمة جواب، من ثمانية أبواب.