النّاظر في مناهجنا في النحو العربي، وفي تدريسه في الأعم الأغلب -إن كان ينظر بعين الناقد لا الراقِد- يرى فنونًا من التعاجيب المؤلمة لنفوس الغيارى أكثر من إيلام المسألة الزنبورية التي قتلت سيبويه، فيما زعم الزاعمون. سألتُ طالبًا في المرحة (الثانوية) بعد أن شكا من صعوبة هذه المادة: أيّما أصعب لديك تعلّم قواعد النحو، أم تعلّم لغة أجنبية؟ أجاب -بلا تردد- : تعلم لغة أجنبية، بل لغتين أيسر وأسهل! ألم يأنِ للذين حمِّلوا التعليم أن يفطنوا إلى مواضع الخلل، فيستووا لإقامة الصِّلات بين الطالب والمطلوب؟ بلى إن فريقًا منهم ليعلِّمون ولا همَّ لهم إلاَّ حشو أذهان التلاميذ بمعلومات بطريقة تفسد نظام تفكيرهم، وترتيب محفوظهم، وإن منهم لفريقًا درس كما درس أولئك التلاميذ فخرج بملكة هزيلة، وكان المخوِّلُ لتدريسه الشهادة وحَسْبُ. وآخرين من دونهم حفظوا ووعوا، ولكنهم في تدريسهم وتلقينهم في وادٍ والتلاميذ في وادٍ، هم في وادي السباع، وفن القول، والتدريس ساخط عليهم في الوادي المقدس. وقد يكون الخلل في المنهج، ولعلّ بعض واضعي المناهج يظن أن الكتب الكبيرة العسرة أنفع للطالب؛ لأنها ترقى به إليها، وأن الكتب الميسرة الصغيرة تضعف من همّته، وينحطّ إليها، ولكنَّ مَن يرى هذه الطريقة غالط أو مغالط، وناظر بعين عوراء، نظر إلى الوسيلة، ولم ينظر إلى مبتغيها، ولَحظَ الغاية بعين، وطالبها بعين أخرى.. لدينا في جامعة أم القرى تدرَّس (ألفية ابن مالك) لطلاب معهد اللغة العربية للناطقين بغيرها، في ساعات لا تكفي لدارسة عُشرها؛ لطُلاب تعجز ملكاتهم عن فهمها، وضبط معانيها، بل هم عاجزون عن قراءة ألفاظها قراءة صحيحة. فإن قال قائل: فكيف ينجح طلاب المدارس؟ قلت: ينجحون بمذاكرة مرهقة، وبتركيز المدرس، وإشاراته إلى مسائل بعينها، وبالمساعدة والرحمة، أو بضربات الحظ، كما كنتُ أنجح أنا في مادة (اللغة الإنجليزية)، وأنا لا أفقه منها إلاَّ ما تفقهه جدّتي أمُّ أبي، عليها وعلى اللغة العربية رحمة الله.