أن تكون هناك سلع مغشوشة، فهذا أمر شائع في أرجاء العالم، ومع ذلك فهو مرفوض وغير مستساغ، ومن يتعرّض لعملية غش تجاري تجده ممتعضًا يكاد يستشيط غضبًا! لكن أن يصل الغش والخداع للعلم والجامعات والتباهي بشهادات الدكتوراه من جامعات وهمية، فهذا أمر يجب ألا يمر دون محاسبة ومعاقبة؛ إذ المسألة تتعلق بخداع مجتمع بأكمله وانتشار التزييف والتزوير. وقبل التطرق إلى المسألة بشكل دقيق، أود أولًا إبراز تساؤل ربما يدور في ذهن القراء والناس عمومًا عن الجهة التي يفترض أن تتابع مثل هذه الأمور، ليكون من واجبها سن الأنظمة وفرض العقوبات على كل من يدّعي حصوله على الدكتوراه، ومن ثم يتبين أنه قد حصل عليها من جامعة لا وجود لها. وقبل فترة يسيرة نشرت إحدى الصحف المحلية وعبر صفحاتها الأولى ولعدة أيام أسماء بعض قياديي إدارة تعليم إحدى المناطق وذكرت أسماء بعضهم وتناولت حقيقة البعض الآخر ومرّ الموضوع مرور الكرام! وكل ما هنالك أن الوزارة قد وجهت بعدم استخدام لفظة دكتور أو حرف دال (تأمّل كيف يُسمِّيه العوام داء؟!) أمام أسمائهم في الأوراق الرسمية، وكأن لسان الحال: دعوهم يخدعون المجتمع ونحن لا نملك إلا هذا! وتداعيا لما نشرته هذه الزاوية عن التعليم في الأسبوع الماضي، فقد بعث أحد القراء رسالة تحوي مدونة تضم عددًا كبيرًا من حاملي شهادات الدكتوراه من جامعات وهمية. أمعنت النظر فإذا منهم المسؤول والإعلامي والموظف المرموق وأعضاء بعض المجالس، فما كان مني إلا أن خاطبت بعضهم ليتداركوا الأمر وليذبّوا عن أنفسهم، لتأتي الاستجابة مخيبة للآمال محيرة للفكر، فمنهم من قال: إنه لم يستفد منها، ومنهم من قال: إن الأمر لا يعنيه وأن ذلك من حقهم (يقصد من قاموا بنشر تلك القائمة)! إن المجتمع سيعج بقائمة أطول إذا تم السكوت عن هؤلاء؛ ويا لها من سهولة ويسر، فالمسألة لا تحتاج إلا إلى خبر يتم إعلانه أن فلانًا قد حصل على الدكتوراه، فينال بعد ذلك لقبًا لا يستحقه ويتاجر به اجتماعيًا على الأقل! وهنا أود أن ألقي باللوم على المجتمع أيضًا؛ فالمفترض هو احترام الفكر لا تقديس الشهادات، فالخواء الذي يحمله حامل الشهادة لا يعفيه من نظرة ازدراء وانتقاص، وفي المقابل من يحمل فكرًا نيّرًا وذهنًا وقّّادًا يفترض أن يفرض احترامه على الجميع، حتى ولو لم يكن حاملا لشهادة عليا، ولكن يبدو واضحًا اختلاف النظرة ومنح الشهادات قدرًا من التبجيل والإجلال بغض النظر عن فكر الحامل لها! مما سبق يتضح أن هؤلاء ربما سبروا أغوار المجتمع لهذه النظرة، فتسابقوا لسلوك أقصر الطرق لحمل اللقب (دكتور)، وإذا تم التغافل عن وضعهم فالمسألة ستنتشر وسيختلط الحابل بالنابل، وهو أمر يفترض تداركه بشكل عاجل، وأود التأكيد على أهمية سن نظام يعاقب هؤلاء عقوبات رادعة، فكما ألزمت وزارة التجارة من يغش ويتلاعب بالأسعار أن يعلن عن العقوبة والتشهير في الصحف وعلى نفقته، وهؤلاء - في الواقع - قد تلاعبوا وغشّوا المجتمع بأسْره، فهل يُعقل أن يَفلتوا من العقاب؟! [email protected]