التعليم أساس الرقي، ومنطلق التقدم، وبه تتنافس الأمم لترتقي بشعوبها، ومن خلاله يتم التعرف على التقنيات وترتقي البلدان الدرجات، وبقدر ما يكون محكماً ومواكباً للعصر بقدر ما تتبوأ الدول مكانتها وتعلي من شأنها. ولذا فلا غرابة أن يتطرق إليه الكتّاب ويعودون إليه بعد غياب، فهو من الأهمية بمكان كونه عليّ الشأن، وكل نقص فيه يعني انتكاسة للمجتمع، إذ المسألة تتعلق بالجيل وتعليمه، ويجب على الجميع المحاولة الجادة للخروج به مدركا مثقفا، ذو حس مرتفع واطلاع واسع. وقبل التطرق إلى هموم التعليم والنهج الذي تتبناه الوزارة والمناهج وما يعتريها من جدل يبدو في ظاهره أنه أزلي، أود تهنئة الوزارة على شعارها الجديد على الرغم من الشد والجذب الذي دار حوله، وبخاصة فيما يتعلق بمعناه وتكلفته، لكنه - في تصوري- تجديد محمود، وكان بودي ألا تقف الوزارة موقف المتفرج تجاه ما دار حوله من أقاويل. وفي الأسبوع ما قبل الماضي فاجأني أحد الأبناء بمنهج جديد يوزع في هذا التوقيت! والعجيب أن هذا المنهج له علاقة قوية بالتقنية الحديثة بل هو لبّها، والسبيل المؤدي إليها، فبه تُدرك، وبدونه يفوت كثير منها، فالعناية به مطلب ملح وغاية نبيلة. ومع هذا الإجراء الإداري غير المتوقع؛ والذي كان موضع اندهاش أولياء الأمور والمعلمين قبل ذلك والموقف التربوي بشكل عام يجدر الوقوف لأقول: * مثل هذا التصرف لا يمت للإدارة المثالية بصلة؛ فالأصل أن توزع المناهج في بداية العام الدراسي، وألا يفاجأ الطلاب بالتغيير في منتصف الفصل الدراسي، ويبدو أن عملية الطباعة - التي تجاوزها العالم المتقدم - هي السبب في هذا الإجراء، وهو ما يدفعنا للتساؤل: متى نواكب العالم بمناهج إلكترونية وتختفي ظاهرة الكتب الورقية؟! * كم هو محزن أن يكون موقف المعلم - إزاء هذا التصرف - بهذا الشكل، ولكن حتى لا نقسو عليه فهو - في الغالب - لا ناقة له ولا جمل، بل ربما يُلزم بتدريس منهج جديد لم يُستَشر فيه، بل ولم يطّلع عليه من قبل، ولذا فإن ردة الفعل قد تكون مبررة إلى حد ما. * المشهد التربوي في النهاية لا يبدو مقبولاً؛ فالمعلم يخبر الطلاب بأن الوزارة قد وجّهت بتدريس ما يُتاح تدريسه وترك بقية المنهج! والطالب يتعاطف مع معلمه، لكنه لا يعطي ذلك المنهج الاهتمام المطلوب، وفي النهاية يجد نفسه في العام القادم أمام منهج قد تم تأسيسه على منهج هذا العام، وهو لم يدرسه، فهل هذا الوضع يرضي التربويين؟!. وختاما فإننا نتمنى على الوزارة أن تراجع حساباتها وتتخذ نهجاً تربوياً فيما يتعلق بالمناهج، فمن المتعارف عليه أن المنهج يعد أحد الأركان الرئيسة للتعليم، فبقوته ومتانته وتدريسه بالطرق التربوية الصحيحة (بعد توزيعه مع بدء العام) تكون المخرجات متمكّنة، تخوض سوق العمل وبكل قوة، وحينئذ نباهي بها العالم أجمع. وبضعفها وكثرة الأخطاء فيها (كما هو واقع في بعض مناهجنا) تضعف المخرجات وتبدو هشة؛ ليس فيها ثبات، ولا تحوي بين جنباتها أي أوعية ثقافية، فهل وصلت الرسالة للأساتذة التربويين؟! [email protected]