ليس مستغرباً أن تتجاوب وزارة الداخلية عبر تعاميم واضحة من خلال إمارات المناطق مع البنات اللواتي يشتكين من أسلوب توظيفهن في بعض المؤسسات العامة والخاصة، التجارية والصحية والاجتماعية، بشرط الاختلاط المباشر مع الرجال، مع ضرورة كشف الوجه، ووضع المساحيق وأصباغ الزينة!. إن هذه التعاميم الواضحة جاءت لتتفاعل مع الشكاوى المتكررة وبخاصة في جدة ومكة من قبل الفتيات اللواتي استُخدمن في الوظائف بأجسادهن لا بعقولهن وخبرتهن!. جاءت هذه التعاميم الواضحة لتوقف وتحاسب هذه المؤسسات والشركات المتورطة في الاستهتار بقيمة البنات، وأخلاق البنات، ولو كان الأمر على مجرد مسائل وآراء فقهية مختلف عليها لما وصل الحال إلى شكاوى كثيرة، وتدخل من وزارة الداخلية، ولكنه وللأسف هذه المرة، وصل الحال إلى أن تُبطل المرأة أخلاقها، وتعرِّض نفسها للحرام. فماذا بقي بعد أن تتزين المرأة، وتضع مساحيقها وما تتجمل به أمام الرجال؟! وماذا بقي بعد أن يُفرض قرار التوظيف بكشف وجهها في مهن لا تقتضي الضرورة ولا الحاجة فعل ذلك؟! وماذا بقي بعد أن يفرض العمل بالاختلاط، دون أي مراعاة لستر المرأة وصيانتها، في عمل لا يتطلب بالضرورة مكوثها فترة مع الرجال؟! هنا لابد أن نتكلم بكل وضوح، إن مناقشة بعض الآراء الفقهية المعتبرة من الأئمة المجتهدين وفق الضوابط الشرعية المقررة شيء، وإن فرض أشكال وأنماط لعمل المرأة ثبت أن الغاية منها عملية الاستهلاك للأنثى وإغراء الزبائن وحسن التواصل معهم شيء آخر، وكأن المرأة لا تُقنع إلا بكشف وجهها، وإبداء ضحكاتها مع الرجال، ووضع المساحيق الجديدة على خديها، المجلوبة من باريس ولندن، ولربما كانت هذه مميزات الترقية، والإشادة بالموظفة المثالية!. كما أنه وللأسف في ظل هذا الوضع الخطير لا تتورع ولن تتورع قنوات عربية لملاَّكها المسلمين أن يفسحوا المجال لكل المسلسلات بشكل هادر ومتواصل التي تكشف خبايا العلاقات المفاجئة المحرمة، والسفاح غير المتوقع والمسوّغ؛ وكأن الظنون أن تكون الصداقة بين الرجال والنساء في المطاعم والمقاهي والنوادي، وعبر «النت» و»الماسنجر»، ضمن حدود الصداقة واللياقة، وألا تتطور إلى الرضا بالخلوة، وتبادل الصور الغرامية!. إنها (أزمة الحداثة) أو (أزمة المعنى) أو (الأزمة الأخلاقية) التي يعبِّر عنها علماء الاجتماع في بلاد الغرب اليوم. ولقد لخَّص هذا الحال المفكر الفرنسي (روجيه جارودي) بقوله: «إن معركة عصرنا هي ضد أسطورة التقدم والنمو على المنوال الغربي». إن أخطر ما في المعصية أن تتحول إلى فعل مادي، لا أخلاقي. هذا الفعل يحول المادة إلى لذة إنسانية منوعة، تتمثل في نوعية أكله، وهيئة لباسه، ونوع سيارته؛ ولذا لن يعجب أحدنا أن كل ما يغريه لشراء نوع معين من الطعام، أو اللباس، أو السيارة، يمر عن طريق شكل فتاة جميلة، باعتبارها (الوصفة السحرية)، وكأن بيع السلعة للإنسان الذي تحركه الدوافع الاقتصادية، لا يتم إلا عبر مخاطبة غرائزه . إن ما فعلته الفتاة السعودية هو استباق لقاعدة صلاح عبدالصبور: (أجافيكم لأعرفكم)، فهي قد جافتهم، وعرفت (نهاية) حكايتهم!. ولعلنا نصف هذا الفعل الحضاري من الفتيات بأنه الوقوف بعيداً لرؤية (المسافة الجمالية) التي يعتبرها الفلاسفة الطريق الأهم للحفاظ على نسيج الإنسان، أو هدمه. وظني أنهن من حدَّد هذه (المسافة الجمالية) لأنفسهن؛ لأنهن سيدات الجمال، وملكات الأخلاق. [email protected]