لا أعرف شاعرًا شعبيًا مولعًا بالهم الإنساني، كما هوطلال حمزة، ففي الوقت الذي انساق فيه كثير من الشعراء تجاه أغراض الغزل والمدح، بقي طلال حمزة منتصفًا لقضايا الإنسان وهمومه ومشكلاته ؛ لذا نجده وظف جزء كبيرًا من شعره للهم الإنساني، فهو شاعر قضية، ورسالة، لا شاعر، بذخ، وترف. يقول: الليلة جيت وكلي عاري عاري إلا من ضمير فالضمير يحتل موقعًا جذريًا في فلسفة طلال الشعرية، فهويرمز إلى الطهر، والفضيلة، والأخلاق، وكل هذا مرتبط بقضايا الهم الإنساني في شعره يا مسا الهم الكتابة يبكي الشاعر يدخل غرفته ويصك بابه ويقول أيضًا : ما كتبنا القصايد للغزل والهيام ولا كتبنا القصايد لأجل يرضى عظيم ولعل ذلك مرتبط بنفسية طلال كإنسان، والتي يمكن تلمسها من خلال قصائده المتناثرة، وتعكس اعتزازه بالنفس، وتطويع الذات على عدم الانحناء أمام المصاعب. يقول: وإن كان عاتق باح سده لمعتوق أبطيت ما بيحت سدي لخايب تدور في بالي هواجيس وطروق تشوفني حاضر وأنا عنك غايب واليا بغيت الشي أنا أجيه من فوق لا ما انحني لوهو لذيذٍ وطايب ويبلغ هذا الاعتزاز ذروته، عندما يكون اعتزازًا بالنفس لذاتها، وليس امتدادا للاعتزاز بالعم والخال. يقول: كان الوفا نجر وفناجيل ودلال يا بوي أنا مبطي مبهر دلالي صبيتها للناس فنجال فنجال ما همني يقضون والا قبالي ما عزني عمٍ ولا عزني خال أنا الذي بعز عمي وخالي فالرابط هنا، أن الاعتزاز بالنفس، والتغني بمجدها، يكون مدعاة لهذه النفس بأن تكون أكثر التصاقًا بهم مجتمعها، وقضاياه، وهذا ديدن الأنفس الأبية الشامخة. فيكتب على لسان الفقير المعدم، الذي قست عليه الظروف، وأدارت له السعادة ظهرها، وقد تراكمت عليه الديون، فوجد ما يسد به جوعه، ولكن الهم لم يجعل له شهية ليأكل. يقول: يا الله من له نفس ياكل ؟ من وين ابلقاها ؟ فاتورة الهاتف ؟ ولا إيجار البيت ؟ وإلا الثمان أقساط ؟ وفي نص له معنون ب (نسبة مئوية)، نجده يصف المجتمعات، بأنها تجمع المتناقضات من الشخصيات، وهذه المتناقضات تمتد لتشمل ظواهر الأنفس وبواطنها، فقد يحسب الشرير طيبًا، والعكس صحيحًا، وهذا من مسببات المشكلات، وضياع حقوق الضعفاء، وهم من الهموم الإنسانية المؤلمة. يقول: تعالوا نعد من واحد إلى مليون تعالوا نشوف كم واحد خبيث ونحسبه طيب وكم واحد لئيم ونحسبه حبيَب وكم واحد يصيب ونحسبه يخطي وكم واحد عطاه الله ولا يعطي وله في معنى الجود، رؤية فلسفية أخرى، فهولا يرى أن الجود مرادف للسخاء، وبالتالي ينحصر معناه في العطاء، وإنما الجود في منظوره، هو كرم النفس، مع قلة الحيلة، ولكنه عطاء نابع من القلب، بكل محبة وصدق، وليس كعطاء الأثرياء من التجار وذوي الأموال، الذين يبذلون من سعة، وربما اتبعو هذا العطاء بالمن والأذى. يقول: والجود ماهوجود من عند بابه مليون سيارة ومليون سواق الجود جود اللي قليل ذهابه ولا من عطا يعطيك من كل الأعماق هذاك لوتطلبه يعطي ثيابه ما خاف فقر. ولا حبس خشية إملاق وللطفل نصيب من شعر طلال، وهمه، وإنسانيته. يقول: عزيزي الطفل لا تكبر كذا أجمل كذا أطهر كذا لا دين يتراكم كذا لاضغط . لا سكر يكتب طلال بلغة مكثفة، ودلالات عميقة، وعاطفة صادقة، وفكر ثاقب، فيخرج نصه مزيجًا من هذه الحبكة الإبداعية، فيغلفها بهم الإنسان، فتبوح أوزانه شعرًا لا يضاهى. فهل ثمة ما هوأهم من الهم الإنساني: كان دايم يضحك بوجهي ويقول: بكرة تفرج وكلها همومك تزول إنسى يا وليدي الهواجس اتركك من ها الظنون بكره أحلى بكره أجمل ما يكون وأنتظر بكره ويجي لا هوأجمل لا (ولاهم يحزنون) ولأن الهم لديه، ليس همًا فرديًا فحسب، بل هم مجتمع وأمه، ولأنه شاعر قضية، فنجده يوجه نقدًا شعريًا ساخرًا لحال الأمة العربية، ويلتقط مقارنة لهذا المشهد بين ماضي العرب وحاضرهم. يقول: كانوا العرب نخوة، وكرامة، ومرجلة، وفزعات. صاروا.. عرب سات وهذا الأسلوب التهكمي في نقد الحالة العربية، مارسه طلال أيضًا، في نقده لنوعية التلقي الرديئة للمشاهد العربي، وإهماله لقضايا الأمة، والتعلق ببرامج لا تزيد المتلقي إلا تسطيحًا في وعيه وثقافته . ينتقد طلال حمزة البرنامج التلفزيوني سوبر ستار وهويعتصر حزنا وهما، فيقول: شكرًا... يا قناة المستقبل شكرًا... يا ديانا كرزون خليتو للشعب العربي صوت.. وشكل.. وطعم.. ولون وحدوا الأمة وعرفنا وش معنى قضية وانكشفوا المية مليون ختامًا، لا أزعم أن طلال حمزة اختزل شعره على الهم الإنساني، وهوأيضًا لم يدعِ ذلك، ولكن حسب تجربته تميُّزًا، أنها انحازت للهم الإنساني في غالبها، وكانت من أكثر التجارب المعاصرة التي وظفت الشعر العامي لهذا الجانب الحياتي المهم بجدية.