الفكر المتطرف ضار في كل الأحوال، سواء كان نحو التدين المتشدد أو نحو الانفتاح والتحرر والإغراق في العلمانية، وكلاهما مضر، والمسلم الوسط الذي أراده الشرع الحنيف المعتدل هو الذي لا يميل لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.. وأُلاحظ في كثير من الأحيان أن الفجوة تتسع بين الفريقين، وتتخذ عداوة بغيضة شرسة يدفع ثمنها السواد الأعظم من مواطني هذا البلد المعتدلين الذين يعانون من سلوك المتحررين العلمانيين؛ الذين يمعنون في الإساءة للدين والقيم والعادات، ويتخذون من شعارات تحرير المرأة والفكر والحياة من القيود حجة وذريعة للسباحة ضد تيار الرمز والثابت، مقتفين آثار الآخرين من حولنا، وفي المجتمع الغربي الذين انفصلوا عن الدين.. ومثل هؤلاء بكل أسف يشعلون التيار الآخر المحافظ ويستفزونه ويغرون ضعاف النفوس فيه إلى الخروج عن المألوف، والتشدّد ضدهم وضد قناعاتهم.. وهو سلوك لا يتفق مع قواعد الإسلام المعتدل.. أما الكارثة فهي في أولئك الذين تشددوا وتعصبوا وفهموا الأمر على عكس ما أراده وحدده الشرع، فذهبوا نحو التطرف في فهم الدين، وسعوا في الأرض فسادًا بالإرهاب والقتل والتخويف، وفسادهم أشد مضاضة على المجتمع والأمة من إفرازات التيار الآخر الذي يزعمون إصلاحه عن جهل وطفولية مغرقة في السخف والجهالة. وحادثة الإرهابيين العشرة الذين أجهزوا على دورية في الحدود في قطاع شرورة بمنطقة نجران وقتلهم جنديين بعد أن أعدوا كمينًا للدورية.. تلك الحادثة أثارت عددًا من التساؤلات تجاه هؤلاء المتشددين.. أولها: أنهم من الفئة الضالة الذين استنصحوا وتم إطلاق سراحهم، فما الذي عاد بهم إلى أحضان الفئة الضالة مرة أخرى؟! بالطبع لا مشكلة ولا ضرر من الأسلوب الراقي والرائع في التعامل مع مثل أولئك الشباب بالمناصحة انطلاقًا من أنهم شباب من أرض الوطن، ضلّوا الطريق القويم المعتدل، وسلكوا سلوك المعوّج الذي رضخ لإغراء الثلة الباغية الضالة من داخل وخارج الوطن. وأسلوب المناصحة في حد ذاته كان ناجحًا ومجديًا، وقد أفرز إصلاحًا رائعًا وأعاد شبابًا إلى جادة الصواب ونفع بهم أسرهم ووطنهم.. غير أن التساؤل الآخر المطروح هو: أليس ثمة وسائل وبرامج مساعدة لبرنامج المناصحة إلى جانب ما تم في السابق؟! من المقترح في هذا الصدد أن تشمل البرامج علاجات نفسية وذهنية واجتماعية سوف تلعب دورًا مهمًا في انتشال أولئك النفر من براثن ما تعرّضوا له من غسيل للأدمغة، وتلوث للأفكار وتشويش للعقائد والمعتقدات، وتأليب على المجتمع والناس عمومًا في ممارسات تسيء للأمة والإسلام، وتشوّه صورنا في المحافل الدولية الذي يتربص أعداؤنا فيها تلك القضايا ليلوثوها ثم يصيدون فيها.. أما الرأي المقترح الآخر فهو ضرورة الاستفادة من تلك التجربة لمن استغلوا حرص «الداخلية» على منهج الإصلاح والتنوير فأساءوا إلى أنفسهم وشوّهوا صور الآخرين.. والاقتراح أن تكون ثمة فترة إفراج مشروط مراقب لمثل أولئك حتى نعيدهم رويدًا رويدًا إلى طريق الاعتدال، ونتابعهم في مسيرة الإصلاح حتى لا يعاود الأعداء المتربصون إغواءهم والنيل منهم. ونستشرف رؤىً جديدة في هذا الصدد بتعيين سمو الأمير محمد بن نايف وزيرًا للداخلية بما له من خبرةٍ في التعامل مع هذه الفئة. وأخيرًا.. نحتاج إلى تبني المزيد من برامج الاعتدال مثل برنامج كرسي سمو أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل في جامعة الملك عبدالعزيز لتأصيل منهج الاعتدال وبناء الشخصية المعتدلة الذي أقامه الكرسي بالتعاون مع جامعة أم القرى وشمل العديد من الدورات التدريبية الناجحة. [email protected]