عندما خصص الله تعالى هذه الأرض المباركة لنبيه إبراهيم عليه السلام ألهمه دعاءً يعتبر لنا قاعدة عظيمة على مختلف العصور، فعندما قال جل وعلا، على لسان إبراهيم: (رب اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات)، كان هذا القول العظيم قاعدة نمشي عليها في حياتنا تنص على أن الحياة مهما كانت مليئة بالنعيم والثمرات المختلفة لن يكون لها مذاق العافية دون الإحساس بالأمن والأمان، فإن بات الناس يخافون على أنفسهم وأهليهم في الليل والنهار، في الحل والترحال، في النوم واليقظة، فإنهم لا يستطيعون قضاء حوائجهم ولا الاستمتاع بالمال ولا البنون، وهم في خوف وترقب مستمر لقاطع طريق أو سارق ليل، أو مجرم فاسق أمن العقوبة فأساء الأدب، واستباح العرض والمال وحرمة الوطن، فالحياة في ظل غياب الأمن تتحول إلى غابة يؤكل ضعيفها في وضح النهار، والله تعالى قدم الأمن في دعوة إبراهيم على الخير والرزق والثمرات، ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام أثبت هذه القاعدة وعززها بقوله صلى الله عليه وسلم: (من بات آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا وما فيها)، وبالتالي لا حياة رغيدة بلا أمن ولا استقرار، من هنا أريد أن أطرح سؤالًا واحدًا: ماذا يريد هؤلاء السذج عندما ينساقون وراء كل ناعق يدع لتخريب بلادهم وزعزعة أمنها؟! أفلا يعلمون بشيء من التفكر والتدبر أن اختلال الأمن سيحصرهم وغيرهم في أسوار من الخوف على أنفسهم وأهليهم؟! أفلا يدركون أن ضحكات أطفالهم وأفراح نسائهم وستر عوراتهم ستتحول جميعها إلى عالم من الجحيم المقيم فيرون بأعينهم كيف يقتل الأطفال وتزهق الأرواح وتنتزع ستر العفيفات على أيدي المارقة والمرتزقة والمضلل بهم من أصحاب النفوس الرديئة؟! أفلا يقلبون النظر فيما حولهم من بلدان فقدت أمنها فتحولت إلى ساحات من الجحيم والحروب والسرقات والمخدرات وجرائم لا تعد ولا تحصى؟! هل سيرتاحون حين يشاهدون العجائز والكهول يتجولون في الطرقات يتسولون شربة ماء أو قطعة خبز؟! أيها الناعقون خلف الناعقين، كفاكم بيعًا لعقولكم وانسياقًا وراء كل مغرض وموقظ للفتن جعل منكم أداة ودمية يحركها كيف يشاء، ثم يلقي بها في الهاوية ويتسلم غيرها وغيرها، بينما يظل هو بسوء سريرته متخفيًا وبعيدًا عن آثار جهلكم وطاعتكم العمياء، تمامًا كما تبرأ الشيطان من أصحاب النار، وتبرأ كبار الكفار من أتباعهم. هذه الأرض هي التي اختارها المولى سبحانه لاحتضان رسوله والحرمين الشريفين، فصارت مع تعاقب الزمان مشعل نور وهداية وسلام لكل بقاع الدنيا.. وعليكم أن تستشعروا عظم الخطورة التي تحيط بنا جميعًا -لو لا قدّر الله- اختل أمن البلاد وتحققت أهداف الخونة، فتعالوا بنا نتعاهد على تطهيرها وتنقيتها من كل عضو خرب متعفن؛ يحاول نشر خرابه وعفنه في جسدها، ليحولنا إلى جسد متهالك تنهشه الدسائس والفتن من كل حدب وصوب، ولنكن سواعد مخلصة متعاونة مع كل رجل أمن، ولا نقبل المساس بأرضنا، وبهذا نسهم أيضًا في حماية ديننا من مخططات هدمه واستهدافه المتعاقبة، فحفظ الوطن من ضرورات الإسلام، والإحساس بالانتماء فطرة نريد تعزيزها في نفوسنا، ولنا في النبي الأمين محمد قدوة حسنة حين أعلن حزنه وألمه على فراق مكةالمكرمة.. حفظ الله بلادنا من كل سوء ومكروه، وأعان كل رجل أمن يعمل بإخلاص وتضحية وفداء.