فن غير الذي كنا نعرفه، أو نسمعه، أو نشاهده، ذلك هو الفن الإنشادي الذي أطلق عليه «إنشادًا» منذ القدم ولكن ما لبثت تجاعيد الزمن تظهر عليه، ومعالم الشيخوخة تطغى على شبابه؛ فقد كان مجرد إنشاد صوتي ثم تحول لإنشاد مصحوبٍ بما يسمى (إيقاعات) حتى أصبحت (الموسيقى) تضعضع أركانه، وفي بالنتيجة ضعفت قواه التي بلغت أوج عطائها في فترات سابقة، وغدا واهن كبيت العنكبوت. «الرسالة» ناقشت الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انسلاخ (الإنشاد) عن أصوله، وسارت به في ركاب غيره. يوضح الناقد أحمد معروف بأن ما يحدث في الفترة الحالية ل (الإنشاد) له مسببات لا يمكن التغافل عنها، ولكن اختلاف أنماط وفئات الإنشاد يعزوها البعض إلى تغير أساليب وأنماط الحياة التي لا يمكن أن تبقى كما كانت عليه في السابق، ويشير معروف إلى أن هذه النقطة إيجابية برأيه لكون الإنشاد «فنًا»، والفن بطبيعة الحال لا بد أن يكون منافسًا للفنون الأخرى، وراقيًا في ذات الوقت، محذرًا من أن يكون هذا الفن الراقي مقلدًا لفنون أخرى رغبة منه في مجاراتها وليس منافستها، وهنا تكون المصيبة والمشكلة على حد وصفه. وعبر معروف عن حالة الفن الإنشادي بأنه يعتبر جيدًا عند شريحة كبيرة من المهتمين بالمجال الإنشادي، ولكنه تجاوز «الحدود المنطقية» المسموح بها -من وجهة نظره- في هذا الفن، وأصبح بعض المنشدين يساهم في تشويه الإنشاد من ناحيتين: أولهما أنه لم يأخذ كامل الأدوات الموسيقية والفنية المسموح بها، والثانية: ضعف شخصية هذا المجال، مطالبًا جميع من يمثل فنًا معينًا إن كان له توجها غير الذي هو عليه أن يبتعد عنه كي لا يساهم في تشويهه. المتطفلون على الإنشاد أما قائد فرقة ربى الإنشادية المنشد أكرم العروسي فقد أشار إلى أن ما هز كيان الإنشاد هو المتطفلون على هذا الفن العريق والذين يخدمون مصالحهم قبل أن يعطوا الإنشاد حقه كاملًا، واصفًا إياهم بأنهم يقومون على دعم أنفسهم تحت مسمى الإنشاد لكنهم هم في حقيقتهم بعيدون كل البعد عن هذا الفن. وطالب العروسي جميع المنشدين أن يكونوا صفًا واحدًا ضد أعداء الإنشاد الذين يلبسون لباسه ويصفون أنفسهم بأنهم منتمون إليه؛ قائلًا: «المتلبسون بلباس الإنشاد هم أخطر الناس على هذا الفن، وهم من غير نظرة جمهور الناس إلى الإنشاد بعد أن كانت تكن له كل التقدير والاحترام في فترات سابقة». وأشار العروسي إلى أن التغير والتطور في وضع الإنشاد أمر طبيعي بل إيجابي لكون العالم يتطور في كل شيء فمن الطبيعي أن يختلف وضع الإنشاد عن السابق، لكنه انتقد طريقة بعض المنشدين التي تخرج الإنشاد عن طبيعته وصورته المعروفة، مطالبًا جميع المنشدين بالوقوف ضد هذه الأنماط من الإنشاد التي تسيء إليه أكثر مما تخدمه. من جهته يبين المخرج نايف الحداد أن التنوع أمر مطلوب؛ فلا يمكن للمرء البقاء على تخصص واحد أو مجال أو حتى نمط واحد في الحياة أو في سائر الأمور، وطالب الجميع بالمبادرة والتغيير والتطوير لكون الحياة متغيرة ومتحركة ولا يمكن الوقوف على نمط ما وتكراره لأن المرء سيمل منه. وأوضح الحداد أن معارضة التغيير تعد نوعًا من التقوقع، كما أن جمال الفن الإنشادي يتحقق بالتغيير والتطوير الذي ينتج أعمالًا رائعة وإبداعية. وألمح إلى أن بعض المهتمين قد لا تعجبه فكرة التغيير بتاتًا، لكنه يؤكد أن من نتائج التغيير اكتشاف أشياء جديدة، وظهور بعض المجالات الرائعة، والأعمال الإبداعية، والنماذج الإنشادية الراقية التي لا يمكن اكتشافها بالتدريب أو العمل الروتيني، وإنما بالمتابعة في التنوع والتغيير، فالتنوع يظهر القدرات والإبداعات كما أنه يساهم في إحداث نقلات كبرى للإنشاد. احتكار الإنشاد كما عبر الموزع وائل سعد الدين عن تعجبه من احتكار البعض للفن الإنشادي والتحدث باسمه، مبينًا أن النشيد للجميع وليس لفئة معينة، الأمر الذي أدى إلى تعدد وتنوع الصيغ والأنماط الإنشادية. ودعا سعد الدين أن يبين كل فنان منشد وجهة نظره في المجال أو النمط الذي ارتضاه لنفسه، حتى ولو كانت مخالفة لرؤى آخرين، مطالبًا إياهم جميعًا ألا تصبح تلك الاختلافات سببًا في تشويه علاقتهم ببعضهم البعض؛ لأن لكل نمط أو منشد شريحة من الجمهور، ومن حق الجمهور إعطاؤهم ما يرغبون في استماعه.