الطعام يعدّه علماءُ الاجتماع مكوّنًا وانعكاسًا للثقافة، فهو يعبّر عن طبائع وأديان، وتراث الشعوب، بل هو بالنسبة للمسلمين يُعبّر عن هويتهم، ومدى اعتزازهم بدينهم وقناعتهم به.. وأحد مؤرخي الإسلام في بلاد الغرب يعتبر أن شعيرة الطعام الحلال باتت في مرحلة من مراحل الوجود الإسلامي في الغرب هو المعلم الوحيد لمعرفة أن الطرف الآخر من الديانة الإسلامية.. وكانت سببًا في عدم ذوبان واندثار تلك الجاليات، حيث بعثت فيهم في مرحلة لاحقة صحوة دينية أعادت الروح ودبت الحياة في الشعائر الإسلامية الأخرى.. ولعل من بركات ذلك الالتزام الصارم ب(الحلال) أن تحول الاهتمام من المسلمين إلى غيرهم، فقد مررت ببعض التجارب في الآونة الأخيرة أكدت لي ذلك المعنى، فذات مساء وبعد أن أضنانا التعب والجوع من كثرة المشي وبرودة الجو، بدأنا نبحث عن مطعم لنتناول العشاء، وبما أن الوقت مبكر بعض الشيء بالنسبة للمطاعم البريطانية، فقد رفض الجميع استضافتنا لوجبة العشاء، واكتفوا بالقهوة والمأكولات الخفيفة!! مضينا نسير بين شوارع المدينة بحثًا عن مطعم يستضيفنا، فكان الحل الوجبات السريعة، وعندما دخلت بادرت النادلة بسؤال عن نوع الزيت المستخدم، وقبل أن تجيب تقدم مني الطاهي وقال: «تسألين عن الطعام الحلال»، قلت له وأنا سعيدة: «نعم»، فقال: «عذرًا، فنحن نقوم بقلي جميع أنواع اللحوم بنفس الزيت، أي السمك، والدجاج، واللحم، والخنزير كلها مجتمعة!!» ووجهني بقوله: «يمكنك الذهاب إلى المطعم الفلاني، فهو يقدم وجباته طول الوقت، ولا يخلط اللحوم في الطبخ..» شكرته، وذهبت للمكان المعني ووجدته حسب ما ذكر.. بل تجاوزت عددًا من المحلات من الوعي بطبيعة احتياجات المسلمين إلى تصنيف أنواع الطعام، ووضع رف خاص بالطعام الحلال، ففي قرية ريفية صغيرة، دخلت على مخبز ومقهى، وبدأت بالسؤال عن منتجات خالية من الكحول، ومشتقات الخنزير، فإذا بصاحبة المقهى تشير إلى مجموعة خالية من الكحول، وأخرى غير متأكدة من نقائها، وبعد ثوانٍ معدودة تقدم مني الطاهي (الشيف) مُرحّبًا، وقال: «هذا رفّ لمنتجات خالية من مشتقات الخنزير والكحول، أمّا ذاك فهو رف غير مضمون؛ لأني أستخدم نفس الأدوات في إعداد الأطعمة بجميع أنواعها، وقد يكون بينها مشتقات الخنزير»، قلت: «ألا تقومون بغسلها، أو مسحها؟» فأجاب: «نعم، لكني لا أضمن نقاءها من كل ما يعلق بها».. هذه الشفافية والوضوح في التعامل مع الزبون (المسلم)، وتوضيح تفاصيل إعداد الأطعمة (الحلال)، الأمر الذي قد يؤثر في قرار الشراء، يجعل المرء يقف عاجزًا عن شكرهم لتعاونهم واهتمامهم في تقديم الخدمة بكل مصداقية. [email protected]