تكتسب زيارة الرئيس فرانسوا هولاند للمملكة اليوم أهمية خاصة باعتبارها أول زيارة يقوم بها الرئيس الفرنسي لدولة عربية منذ وصوله إلى قصر الإليزيه في مايو الماضي؛ وأيضًا نظرًا لأنها تتم في ظروف حرجة تمر بها المنطقة سواءً بالنسبة لتطورات الأزمة السورية وانعكاساتها الأمنية على دول الجوار وخاصة لبنان، أو تعثر عملية السلام في ظل الجمود الذي يشهده الملف الفلسطيني - الإسرائيلي منذ بضع سنوات، أو الملف النووي الإيراني المثير للجدل والذي يزداد غموضًا يومًا بعد يوم. دلالات هامة وتتضح أهمية الزيارة أيضًا من خلال الوفد رفيع المستوى المرافق للرئيس هولاند والذي يضم وزير الخارجية لوران فابيوس، ووزيرة الدولة للتجارة الخارجية نيكول بريك، ومستشار هولاند الدبلوماسي بول جان اورتيز، إلى جانب السفير الفرنسي في الرياض برتراند بيزانسينو، حيث من المقرر أن يلتقي الوفد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي العهد ووزير الدفاع سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز وكبار المسؤولين السعوديين. وتعكس الزيارة إلى جانب ما سبق ثقل كل من السعودية وفرنسا على خارطة العالم الجيوسياسية والاقتصادية والحضارية، المملكة باعتبارها أرض الحرمين الشريفين التي تهوى إليها قلوب المسلمين من جميع أنحاء المعمورة، وكونها عضوا في مجموعة العشرين وضيفا على مجموعة الثمانية، وأيضًا باعتبارها الدولة الأولى في العالم انتاجًا للنفط واضطلاعها بدور كبير في الاقتصاد العالمي من خلال سياسة نفطية متوازنة إلى جانب دورها الفاعل في مكافحة الإرهاب على المستوى الوطني والإقليمي والدولي ودورها الريادي في مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية، وفرنسا باعتبارها دولة تتمتع بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وبعضوية الناتو إلى جانب دورها المؤثر في الاتحاد الأوروبي. توافق المواقف لعل أهم ما يلفت النظر في العلاقات الوثيقة التي تربط بين البلدين الصديقين والتي تدشن زيارة هولاند اليوم ملمحًا بارزًا في مسيرتها التاريخية الطويلة التوافق في وجهات النظر بين الرياض وباريس إزاء العديد من القضايا الإقليمية والدولية، والتي لا تقتصر فقط على القضايا السياسية، وإنما أيضًا القضايا الثقافية والهموم الإنسانية التي تشكل قاسم مشترك بين فرنسا والمملكة مثل قضايا الحوار الهادف إلى التقارب بين الأديان والحضارات، والذي يعتبر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أحد أبرز رواده عبر مبادراته العديدة والهادفة جميعًا إلى نشر رسالة الإسلام الحقيقية التي تنص على المحبة والسلام والوسطية والاعتدال. غنى عن القول أن الملف السوري سيحتل الأولوية في مباحثات خادم الحرمين الشريفين مع الضيف الفرنسي لا سيما من زاوية الوضع الميداني وتشعباته الإقليمية ومواقف الأطراف المختلفة من الأزمة والإجراءات التي يمكن اتخاذها لوضع حد لمعاناة الشعب السوري ووقف المجازر وحمامات الدم التي يقترفها الرئيس السوري في حق شعبه منذ مارس من العام الماضي. يمكن القول في ضوء ما سبق أن الزيارة ستشكل مرحلة جديدة في العلاقات بين بلدين تجمعهما شراكة إستراتيجية واقتصادية متميزة أهم ما يميزها الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين وكثافة العلاقات بين الطرفين التي تشعبت لتشمل كل المجالات بما في ذلك المجالات الثقافية والتعليمية.