لا يحتاج أي مراقب مبتدئ فور وصوله القاهرة جهدا كبيرا او صغيرا لاكتشاف السعي المحموم لتلغيم مصر واغتيال رئيسها المنتخب محمد مرسي! واذا كانت عملية التلغيم قد نجحت بالفعل بفضل تحويل التناغم أو التنافس الوطني بعد الثورة الى صراع وهمي بين الدولة المدنية والدولة الدينية، فان مشروع الاغتيال_ اغتيال الرئيس_ ماض في طريقه المرسوم بفعل تضافر جهود المحبين والكارهين له وللثورة! شيئا فشيئا تطور مشروع الاغتيال من الشق المعنوي الى الشق المادي المحسوس الذي عبر عن نفسه في تحقيقات أمن الدولة (الذي يشترك بدوره في المشروع) متطوعا بالنشر ومؤكدا أن خلية مدينة نصر التي هي امتداد لجيش جلجلة الفلسطيني والذي هو ولادة وصناعة أفغانية، كانت تخطط لتصفية الرئيس محمد مرسي! لقد فطن الكارهون لمصر وللثورة ولأنفسهم أن الرجل بدأ يحتل مساحة في قلوب المصريين فهبوا لازالته! وفي ذلك تسابق المتسابقون في الامن وفي الحكومة وفي مؤسسة الرئاسة.. فالرجل لكي يصلي لابد من عشرة آلاف جندي حراسة، ولابد من شهيد أو اثنين فداء لحراسة مرسي! والرجل كي يسافر الى قريته لابد من هليوكبتر، والرجل لكي يسجد لابد من سجادة خاصة! وفي نطاق الشكل حدث ولا حرج، فالرجل الساكن في شقة بالتجمع الخامس وأمامه نقطة تفتيش أصغر من تلك الموجودة أمام بيت أي مسؤول صغير، لابد له من مدرعتين ولا بئس من دبابتين، ناهيك عن زوجته التي تقيم الحفلات والسهرات في المحروسة.. وفي ذلك تخرج المانشيتات الحمراء والزرقاء والسوداء! وفي نطاق المضمون انصهر الجميع في تشويه أي خطوة يخطوها الرئيس.. فاذا اتخذ قرارا بشأن المزارعين جردوه من معناه، واذا قال مزارع قال الرئيس، قالوا له روح اسأله.. وقس على ذلك.. التعامل الأمني يتحسن فيخرج ضابط صغير أو كبير مرددا "خلي الرئيس ينفعك"! يقرر الرئيس تنحية المشير وعنان فيصفق له الشعب، ويسرع المتربصون بتجهيز لغم النائب العام.. فاذا عاد الرئيس عن قراره معترفا بخطأ ما ،قالوا انه الخوف والاستكانة.. يتجاهل الرئيس اسرائيل في كل خطبه مشددا على ضرورة عودة القدس، فيجهزوا له خطاب الغزل الصريح للصديق الوفي شيمون بيريز.. ينحاز الرئيس لمطالب الثورة والغاء قانون الطوارئ، فيهيئوا له قانون استمرار ندب القضاة في محاكم ونيابات أمن الدولة العليا طوارئ! الزائر لمصر الآن سيجد كذلك مجموعة من البشر تتحدث كل يوم وليلة في التلفزيونات وفي الجوامع وعلى القهاوي وفي البارات، وكأنها ليس فقط اشتركت في الثورة وانما قامت بها ودفعت من دمها الكثير من أجلها! والحق أن أفراد هذه المجموعة أو المجموعات ليس لديهم قطرة دم.. فقد اغتنوا واشتهروا وتمرغوا في تراب حسني مبارك واجهزته الامنية والاعلامية والسياسية والقضائية طوال العشرين عاما الأخيرة! من هؤلاء صحفيون وقضاة ودعاة ومحامون يرددون جملة واحدة في كل الحوارات واللقاءات وهي "اننا عندما قمنا بالثورة لم نكن نظن أن مرسي سيختطفها بهذه الطريقة وينحرف بها على هذا النحو" والحق انهم هم الخاطفون والمنحرفون والساقطون! شاهدت محاميا فحلاً يتحدث عن اساليب أمن الدولة التي عادت في عهد مرسي.. ولعمري كان هذا المحامي الشهير أحد عناصر هذا الأمن المكلف بالتجسس على عباد الله في الداخل وفي الخارج أيضا! وقرأت لصحفي فحل أيضا ينعي حال الثورة التي انحرف بها مرسي، والحق كذلك أنه كان يعارض الأب مبارك من أجل الابن تارة، ويعارض الابن الاصغر لصالح الأكبر تارة أخرى! واستمعت لكاتب ليس له من اسمه نصيب لا في النبل ولافي الذكاء يؤكد انه ذهب ومجموعة من المفكرين والكتاب ليدافعوا عن النائب العام باعتباره الحجر الاخير في جدار الدولة الشرعية.. والحق انه ومجموعته ذهبوا بالفعل للدفاع عن الحجر الاخير في جدار النظام الفاسد الذي ذهب لغير رجعة! في المقابل مازالنا نسمع ونشاهد ونتابع أقوال وحركات وتحركات مدعي الانتماء للسلف الصالح، وكأنهم يرفعون شعار العداء للاسلام السمح، ويستنزفون طاقات الشباب في ملاحم على شاكلة معركة الهام شاهين وغزوة قطع اللسان وموقعة مدينة نصر لتصفية الرئيس! [email protected]