التقيته بعد عودته من رحلة عمل قصيرة قضاها متنقلًا بين بعض العواصم الأوربية، فبادرته مستفزًا ما الجديد لديك في رحلتك هذه يا صديقي العزيز، قال العجب من حال العرب، قلت مقاطعًا أهذا سجع لغوي أم هو لغز فكري أم ماذا تعني بقولك هذا؟! قال محدثي لو عرفت سبب تعجبي لزال سؤالك وتعجبت مثلي، بل وتملّكتك الدهشة أيضًا، قلت وما ذاك أفصح أبِنْ أيها الصديق، قال أتذكرُ يوم سافرتُ للخارج كيف كان العالم كله منشغلًا وخاصة العلماء والمفكرين وأساطين الفضاء والطيران بأطول وأسرع وأعلى قفزة حرة في التاريخ قام بها الطيار والمغامر النمساوي فيليكس باومجارتنر، قلت على فوري نعم هو الذي قفز من ارتفاع 120 ألف قدم أو حوالي 29 كيلومترًا فوق سطح الأرض في ولاية نيو مكسيكوالأمريكية مخترقًا حاجز الصوت بجسده لأول مرة في تاريخ البشرية، محطمًا كل الأرقام القياسية في القفز بالمظلات، ودامت رحلته بضع دقائق وبسرعة فاقت 68 كيلومترًا في الساعة، انتفض صديقي مقاطعًا إياي نعم نعم أردت تذكيرك بهذا الحدث العلمي الهام وأعرف أن تنفيذه لم يكن بالأمر السهل أو الهين، قلت وذلك سبق علمي فريد وإنجاز نادر، هنا قفز محدثي من مقعده قائلًا: وهذا هو مربط الفرس، فكم تمنيت أن يكون من حقّق هذا الإنجاز أحد أبناء جلدتنا من العرب أو المسلمين، خاصة وأن الهدف المقبل لفيليكس هو القفز من ارتفاع ستة وثلاثين ألف متر، وفي حال نجاحه سيتمكن من تحقيق رقم قياسي، إذ سيكون بوسعه تجاوز سرعة الصوت، وهي خطوة مهمة لفهم القوانين الفيزيائية الدقيقة، والأهم من ذلك قدرة الإنسان على إخضاع المستحيل لصالح البشرية ومستقبل الإنسانية، هدّأت من روع محدثي بقولي: رويدك يا صاح، وما علاقة ذلك بتعجبك بعد عودتك من رحلتك الأخيرة لأوروبا، أخذ صاحبي نفسًا عميقًا متحسّرًا وقال: بحثت يمينًا ويسارًا عن إنجاز علمي مفيد للإنسانية قدّمه أحد العرب أو المسلمين كما فعل فيليكس أو كما فعلت الشركة المنتجة لأحدث الأجهزة اللوحية الحديثة أو الهواتف الذكية التي جعلت العالم قرية كونية صغيرة، أو كما فعلت الشركة المنتجة للدواء الفعّال ضد المرض الخبيث، فلم أجد غير الشيشة أو المعسل، قلت مندهشًا فاغرًا فاهي: نعم، ماذا تقول يا صاح؟! قال هو ما أقول لك، لقد وجدت خلال رحلتي الأخيرة في بعض العواصم الأوربية انتشار محلات مُتخصِّصة يملكها عرب أو عرب مغتربون تُقدِّم فتحًا جديدًا يُحسب للعرب وهو «المعسل أو الشيشة» التي تُقدَّم للفرنجة والعرب من سائحين أو مقيمين، وأردف محدثي: واستغربت كيف أن العرب لم يُقدِّموا للغرب أو العالم غير هذا الداء العضال والعادة السيئة التي نتباهى بها على العالم الذي تجاوز حاجز الصوت؛ ونحن لم نستطع تجاوز رغباتنا وشهواتنا وصغائر الأمور. قلت: نعم يا صديقي، وللأسف معك الحق كل الحق أن تتحسر على حال أمة لم تجد أفضل من الشيشة أو المعسل إنجازًا تقدمه للبشرية، تاركين فضاء الإنجازات العلمية لغيرنا، قال محدثي: أو بعد هذا لا تريدني أن أتعجب؟! قلت: بلى يا صديقي وحق لكل ذي عقل أن يتعجب، فتركني وانصرف لا يلوي على شيء. [email protected]